لعنة الموت … قصة للكاتبة/ فتيحة بقنظرن

لعنة الموت … قصة للكاتبة/ فتيحة بقنظرن

 

الجزء الأول 

منذ أن أبصرت بعيناي، وفتحت يداي لأضم جمال الحياة، إرتطمت بواقعها المسود وكربها الذي لم يكن في الحسبان. 

        يغمرني الأسى عندما أرى أصابع الناس تتوجه نحوي مرددين أنني السبب في موت أمي ، نظرا لوفاتها في يوم ميلادي ، فأجهش في البكاء إلى أن يأتي والدي الذي يبتسم لي إبتسامته اللطيفة التي تواسيني وتشعرني بالراحة والسكينة ،كان بمثابة ملاك يحرس قلبي وينظف صدري من شتات حزني.

       توالت الأيام ووصل قارب الموت إلى أبي ليأخذه معه إلى جانب أمي،فبدأت تلاحقني لعنة موت جديدة بعد موت أمي. أنا الآن جالسة بكل هدوء مستسلمة للأمر الواقع ، تتزحلق في آذاني أقوال الناس الجارحة التي لا تكاد أن تنتهي وكأنني أنا المذنبة قائلين: “ستعيش جمانة بدون أب أو أم” أتمنى لو مسكت كل امرأة على حدة لأعذبها عذابا شديدا يضمد جرح قلبي من فرط كلماتهم السامة ، ألى يحسون بألم اليتيم؟ يا ليتني أستطيع الفرار إلى العالم الآخر حيث يتواجد به الأمان والراحة والسكينة ،وحتى أمي وأبي. 

           يجتمع أهل القرية ليناقشون مسألة المسكينة التي أصبحت دون مستقبل، يتيمة، وستكون عاهة على الكل. تتصبب في أذهاني أسئلة كثيرة، كيف لي أن أعيش دون أب؟ ومن سيتكفل بي الآن؟ هل أخي أم أختي؟ وهل سيعوضون الفراغ الذي أحس به الآن ؟ أااه كم اشتقت إلى أبي الذي كان ينصت لي بتركيز تام وبدون كلام جارح! هؤلاء الناس يتكلمون دون رحمة ويكسرون قلبي بكلماتهم القاسية. وفي ظل كل هذه التراكمات، أنا مضطرة للصبر على تمزيقهم لأطراف قلبي المتبقية ، أنا التي كنت أنتظر من إخوتي أن يكونو معينا لي لأنصدم بأنانيتهم الكبيرة ، أنا الفتاة المنبوذة التي نبذتها أختها من أجل زوجها، وأنا الفتاة التي ستكون مصدر رزق لأخيها، كلهم يفكرون بأنفسهم فقط ، لا يكترثون لأمري أبدا، وكأنهم وجدوني على الرصيف مرمية ، أشعر بأختي وكأنها تتمنى أن لا يعطونني إياها، كما أشعر بأخي و كأنه يراني فرصة عمر يجب أن يستغلها لمصلحته ، لتقوم زوجة أبي فجأة وتطلب منهم أن تأخذني وتربيني في أفضل الظروف الممكنة ، كان طلبها غريبا، لكونها معروفة بقسوتها وأنانيتها ، لكنه الأكثر منطقية، نظرا لأنها عاقر وكانت تود أن تعوض فراغ قلبها بي، وبالرغم من قسوتها الملحوظة، كنت أفضلها على شراسة أخي.

         لكن الأمور لم تسر على ما يرام، إلتفت إلى وجه أخي صدفة لأراه يهددنني بنظراته كي أخالف قرار عائشة ، أدهشني كثيرا وكأنني أرى مشهد رعب، كانت نظراته تعبر عن تهديد حاد وكأنه يقول لي إعترضي عن قرارها وإلا سوف أقتلك، وبالتالي تحقق مراده بعد أن وقفت في وجه الجميع واخترت أخي بنظرات تتوسل منهم لإنقاذي من الوحش الخفي في بذلة أخ يخاف على مصلحة أخته، شعرت بضعف شديد وكأنهم سيأخذونني إلى مكان ما ليعدمونني ، وهو بدوره يظهر لهم صورة الأخ الذي يخاف على أخته ولا يستطيع العيش من دونها، نجح في ذلك، واستطاع أخي أن يقنع الجميع بأنه قادر على أن يتكفل بي على أكمل وجه ، ومنذ ذلك الحين ستعيش جمانة حياة أسوء بدرجات من الجحيم . 

  يتبع …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى