من مسابقة مهرجان الجونة السينمائي.. سبعة فصول شتاء في طهران.. عن “ريحانة” مغدورة وطرف ثان غائب

أول ما همس لي به الناقد الجزائري الصديق عبد الكريم قادري، في أثناء خروجنا من قاعة عرض فيلم “سبعة فصول شتاء في طهران”، المشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بالدورة السادسة من مهرجان الجونة السينمائي، والتي تُختتم الخميس المقبل، أن الفيلم لا يطرح وجهة نظر الطرف الثاني في القضية التي يتناولها، وأن ذلك يؤخذ عليه.

والمقصود قضية الشابة الإيرانية ريحانة جباري، التي أعدمتها سلطات بلادها عام ٢٠١٤ وهي في السادسة والعشرين من عمرها بتهمة قتل مواطنها مرتضى سراباندي، المسئول السابق في المخابرات الإيرانية، وقد أثارت وقتها ردود أفعال دولية واسعة وموجة من التعاطف الغربي مع الفتاة التي اتهمت سراباندي بمحاولة اغتصابها، والتي يؤكد الفيلم تعرضها للتعذيب والتنكيل لتعترف بما لم يحدث وما يجعل تبرئتها مستحيلة.

وتركز مخرجة العمل، الألمانية شتيفي نيدرزول، على شهادات وروايات أسرة ريحانة، وتسجيلات المكالمات الهاتفية والرسائل التي كانت ترسلها الفتاة من محبسها، ووقائع زيارات والديها وشقيقتيها لها في السجن، وكل ذلك تم تسريبه وتهريبه بطبيعة الحال لأن القانون الإيراني يمنع تداوله.

والحق أن أصول هذه النوعية من الأفلام تقتضي بالفعل طرح وجهة النظر المغايرة حتى يكتمل التحقيق السينمائي بالشكل السليم الموضوعي، خاصة أن الغرب كثيرا ما يضخّم مثل هذه القضايا للنيل من النظام الإيراني فيما يتعلق بحقوق الإنسان.ومن الوارد أن تكون المخرجة قد طلبت شهادة أفراد أسرة الضحية لكنهم رفضوا المشاركة في الفيلم، أو أن يكون إنتاجه في ألمانيا قد حال دون ذلك، علما بأنه إنتاج ألماني – فرنسي.

وربما يكون أكثر ما اعتمدت عليه نيدرزول في مسألة غياب الصوت الآخر، أن شهادة والدة ريحانة تسجل تغير موقف جلال، نجل الضحية، من التشدد والتصلب التام إلى بعض التراجع والتذبذب، إلى درجة أنه بكى في اجتماع مع أسرة المتهمة وطلب عدم الضغط عليه، وأبدى استعداده للعفو عن ريحانة إذا تراجعت عن اتهام والده بمحاولة اغتصابها، وذلك في محاولة للحفاظ على سمعته وصورته.

وتقول رواية ريحانة، التي كانت تعمل كمصممة ديكور، إن سراباندي اقترب منها في مقهى بطهران عام 2007 عندما عرف من مكالمة تليفونية كانت تجريها أنها مصممة، وادعى أنه جراح تجميل، وطلب منها تحويل شقته إلى عيادة.

وعندما وصلا للمكان فوجئت أنهما بمفردهما وأنه أغلق الباب وحاول اغتصابها فطعنته بسكين كان موجودا بالقرب منها مما أدى لوفاته.

ويشير عنوان الفيلم إلى السنوات السبع التي فصلت بين وقوع الحادث وبين إعدام الفتاة، وبعد وفاتها انتقلت أسرتها للعيش في ألمانيا – ما يفسر تحمس الألمان لعمل الفيلم إنتاجا وإخراجا – فيما عدا والدها الذي فشل في مغادرة إيران.

وبعيدا عن هيمنة وجهة النظر الغربية على العمل، نجحت نيدرزول في تقديم فيلم متماسك، والتصاعد ببنائه – بالقطع المتوازي بين شهادات المصادر وبين تسجيلات ورسائل ريحانة من محبسها – حتى الوصول في النهاية للحظة الإعدام، والتي لا نشاهدها على الشاشة بطبيعة الحال، لكن نتابع وقعها على الأم في مشهد مؤثر. وبفضل جودة الصنع، حصل الفيلم على العديد من الجوائز الدولية، وآخرها ذهبية مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة من مهرجان سلا الدولي لسينما المرأة في نوفمبر الماضي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى