أخذني أخي إلى منزله، وجدت زوجته زهرة تستقبلني بابتسامة كبيرة ،وكأن شيئا لم يكن ، أعدت لنا أشهى الأطباق ،ثم ابتاعت لي ملابس جديدة، أحببتهم للغاية، عاملتني بحنان الذي سلبه مني القدر ، كنت أحتاج فقط إلى من يضمني ويمنحني الحب والإهتمام. أما أخي لم يبخل علي بشيء ، وكأنه يحاول أن يعوض مكان أبي بتقليده له، بدأت ألوم نفسي وأقول” كيف لي أن أحكم على أخي وأن أصفه بالوحش ؟ هل هذه هي الأخوة يا جمانة؟ “لكنني كنت على صواب ، فسرعان ما أكد لي بأنه ذئب ماكر يشعر الفريسة بالأمان لكي يصطادها ، فما الذي أنتظره من شخص يغير شخصيته مثلما يغير حذاءه؟ صراخ ، عنف، أعمال شاقة، كلها على كتف فتاة ذات ثمان سنوات فقط، أيعقل هذا؟
مرت علي سبع سنوات مديدة، صرت وكأنني عبدة عنده ، أخدمه هو وزوجته وهو بدوره يبيع ثرواتي بثمن بخس، أطهو وأرعى الأغنام وأنام في بيت شبه مهجور يدخل من سقفه المنكسر قطرات من الماء أضع تحتها دلوا فارغا، في كل قطرة تسقط عليه بمثابة طعنة في قلبي، عذاب نفسي وجسدي، أتعرض للضرب لمجرد أنني أضفت حصة من الخبز، أصبحت أخشى الخروج للعب مع صديقاتي من كثرة الكدمات على وجهي ، أخاف من نظراتهم الإستفزازية التي تفسر مدى احتقارهم لملابسي القديمة ، لم تكن ترغب أي فتاة باللعب معي ، كل الفتيات يتجاهلونني ،وما سبيلي؟ سوى العودة إلى المنزل وأرى طفولتي تضيع وليس بيدي حيلة سوى البكاء والصبر. تتساقط الثلوج في الجبال ولا أستطيع الذهاب إلى المدرسة لأن حذائي غير صالح للطريق الذي سأسلكه، وهنا تبدأ أسطوانة العادات والتقاليد ، يحاولون حرماني من الذهاب إلى المدرسة لأنني فتاة، يجب علي إتقان إدارة المنزل لأصبح ربة بيت ناجحة في المستقبل، ويحاصرني أخي في متاهة الزواج والمسؤولية، والعكس الصحيح بالنسبة لإبنته ، يجب عليها ترك كل شيء من أجل الدراسة كي تصبح طبيبة ناجحة في المستقبل، ترفع من شأنها وتعالج كل الناس بمقابل مادي محترم، يا له من تفكير ساذج !.أتذكر عندما أكل لي الذئب غنما ، كنت أهرب خارج القرية حتى لا يجدني أخي ويبرحني ضربا ، تشردت مرارا وتكرارا مخافة أن يضربني ، وعندما يجدني يستعد لإقامة حفل رائع ، حفل بالنسبة لزوجته وجنازة بالنسبة لي.
استطعت التأقلم والتعايش مع هذه القسوة ، وفي هذه الأثناء أصبحت شابة ذات الحادية والعشرين من عمرها، شابة مبدعة ، معجبة بالحياة ، عاشقة للرقص والغناء ، محبة للحيوانات، مبدعة في مجال الفلسفة وملهمة بالتاريخ ،فتاة جمالها مدفون تحت اكتئابها الدائم. تلك الفتاة المرحة تعرضت لمحاولة إغتصاب من رجل خمسيني العمر، فقام بدفن ذرة أملها في الحياة، فكلما حاولت تقبل الواقع والنظر للحياة بإيجابية، تأتي إليها رعدة تقلب حياتها رأسا على عقب. حاولت الدفاع على نفسي بشتى الطرق ليبقى الخيار الوحيد هو محاولة قتله. استطعت الهروب أخيرا، وسأحكي لأخي ما حدث بالتفصيل، ربما أشعر به أخا لي ولو لمرة واحدة في حياتي. وفي ظل حماسي وتوهمي الزائد بأنه لدي أخا بطلا سوف يدافع عني ،حدث عكس ما تخيلته ، حكيت لأخي ما حدث بالضبط ولم يكترث لأمري، وجدها فرصة ليعلن زواجي بذاك الرجل، بكيت كثيرا وحاولت الإعتراض على كلامه، لكنني رأيت أبشع ما يمكن أن يراه مخلوقا على وجه الأرض، جلدني وحرمني من الأكل لأيام واستسلمت أخيرا لقراره لأتمكن من إنقاذ نفسي من الموت اللعين.اليوم هو يوم زفافي، وها أنا سأتزوج من الرجل الذي حاول اغتصابي تحت ما يسمى بالشرف، أي شرف هذا يعطي الحق لتزويج المغتصب بالمغتصبة؟ لكنني لن أستسلم قط، سأجد طريقة للهروب وإلا سوف أقتله.