(أوروبا) .. الأميرة السورية التي تَسمَّتْ القارة باسمها

وكالة أنباء آسيا

(أوروبا) .. الأميرة السورية التي تَسمَّتْ القارة باسمها ..

                        د.علي أحمد جديد

يقول المؤرخ البريطاني(أرنولد توينبي) :

 “على المرء أن يكون له وطنان ، وطنه الأم .. وسورية”. 

فلماذا سوريا وليس غيرها من الأوطان؟!..

 هل لأن سورية هي المهد ، وهي الأساس والجذور لقارة أوروبا كلها .. ولأنها أم كل الحضارات منذ بداية الوجود البشري ؟!

أم هناك أسباب مغايرة !!!

لقد أعطت سورية لنفسها ما نسب إليها وكل العالم بما فيه من كتب التاريخ ورواياته وأساطيره يعرف القصة الحضارية والمكانة التي تحتلها سورية في التاريخ وفي الفكر والجغرافيا .. وفي مسيرة الحضارات الإنسانية بشكل عام . وما من أحد يشك في ذلك وإذا كانت الشكوك تراود بعض الشرقيين وحتى من أبناء الوطن السوري نفسه ، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لدى الغرب ولا عند الأوروبيين عموماً ، ولأصحاب العلم والتاريخ الإنساني خصوصاً لأن الحلم (القديم – الحديث) مايزال يراود الأوروبيين بالإستيلاء على سورية لانها مهد الثقافة التي عرفتها الإنسانية كلها حتى اليوم : “لقد عدنا يا صلاح الدين” 

صرخ اللّمبي يوم نجح الغرب باحتلال سورية عاصمة المشرق .. فماذا يقول المحتل الجديد (الأمريكي بكل أدواته وأذرعه الإرهابية والغرب الاستعماري والإسرائيلي .. والتركي) اليوم وهو يعدّ العدة الآن لاحتلال سورية من جديد ؟!.. 

ومن تراه سيكون اللّمبي الجديد؟!..

 هل هو أوروبي أم أميركي بأدواته وذيوله؟

والسؤال الأهم الذي على أبناء الأمة السورية طرحه على أنفسهم اليوم : 

كيف سيكون التصدي لهذا الرجوع الغربي من أجل الإستيلاء الجديد على سورية؟..

خاصة إذا توصلنا إلى أن مخطط (سايكس – بيكو) التفتيتي كان واضعوه قد درسوا التاريخ كما درسوا الجغرافيا جيداً قبل إعلانه ، وكان تقسيم سورية الطبيعية هو أساس نجاح المخطط وتنفيذه ، لأن سورية هي قلب المنطقة كلها ورئتها الطبيعية في تواصل الغرب مع الشرق ، وفي لقاء الشمال مع الجنوب .

لقد تم تجريد شمال سورية الطبيعية من لواء اسكندرون ومن انطاكية ليكونا جزءاً من كل جنوب تركيا اليوم ، وتم سلخ البصرة من شرقها و لبنان من غربها ، وشرقي الأردن عن جنوبها لإضعافها ، وبعد ذلك قاموا بزرع الكيان اليهودي الدخيل في قلب جنوبها الحيوي .

ولأن حقيقة صناعة الوطن والدولة والأمة بحاجة إلى تضافر جهود المجتمع ككل ، لأنهم مهما زُوّروا التاريخ أو حُجِّموه ومهما حاولوا تحريف أحداثه و طُمس حقائقه فإن الصفحات لن تقبل تسجيل أحد إلا الأشخاص العظماء من نساء التاريخ ورجاله . ومهما كان التاريخ ومهما كان مُبهَماً ، فإنه هيّن مطواع وسلس .. وواضح لكل من يستطيع القراءة بعلمية وبموضوعية متجرّدة . لأن الكلمات والمفردات والأسماء وحتى الأفعال لها دلالاتها الظاهرة ، ولهذا يجب على القارئ المتلقي أن يأخذ المعنى من خلال التحليل اللفظي والإيثيمولوجي من خلال الرمزية والتورية والتضاد ، حتى تظهر المعاني التي تضع المتلقي على الدرب التي يجب أن يسلكها في إبراز الحقائق التاريخية بعيداً عن التحريف والتزوير والافتراء ، ولعل اعتمادنا على ترجمة تاريخنا هي أكثر ما أضرّ بنقل التراث الفكري والأدبي الشفهي كما تلقيناه جاهزاً ومكتوباً ، لأن الترجمة غير الحقيقية خيانة للتاريخ وللإنسانية . وواقعياً فإن أكثر ما يدلّ على الحقيقة التاريخية هي الأسطورة نفسها ، وهذا ما قد يستغربه الكثيرون من دارسي التاريخ ، لأنهم يعتبرون الأسطورة مجرد خرافة لا أصول لها ولا صحّة بما تخبره ، وبذلك يكون التشكيك بما تتضمنه الأسطورة من قصص وحوادث وشخصيات تمهيداً لتمرير التزوير والتحريف والافتراء .. 

فإنهم يعملون الآن على بث التفرقة في طبقات المجتمع السوري اليوم ، ومحاولة إعادة تشكيل الوضع الديموغرافي فيها للمحافظة على إضعافها ، وعلى عدم استردادها عافيتها ، لأن قوة سورية التاريخية لاتنفصل عن قوة موقعها الجغرافي ، فهي أول موطن للحضارة الإنسانية والموطن الدائم للمحبة والسلام ، تتالت على أرضها كافة حضارات الشرق الآشورية والآكادية والفارسية والسومرية وغيرها .. وحضارات الغرب (الاغريق والرومان) . ولأنها موطن حضارات أعطت العالم والغرب ، بصورة خاصة ، الكثير من الفنون والعلوم كما تذكر مراجع الحضارات القديمة ، ولنبدأ باستعراض أهمها من أسطورة الأميرة السورية (أوروبا) التي منحت للقارة العجوز اسمها . 

فقد كتب الشاعر الإسكندري (موسيخوس) قبل 1800 عاماً يقول :

 “الأسطورة التي تقول بأن الملك السوري الفينيقي (أجينور) ، ملك (صيدون) الواقعة وسط صدر البحر الأبيض المتوسط كان يحكم فينيقيا ، وكان والده (بوسيدون) إله البحار ، وأمه (ليبيا) ، التي أعطت إسمها لشمال القارة الإفريقية فيما بعد .

وكان لملك “صور” (أوجينور أو أوشنار) أولاد ثلاثة هم : “فينيقوس ، وقدموس ، وكيليكوس” (وهي أسماء ثلاث مناطق سورية اليوم) ، وفتاة وحيدة رائعة الجمال اسمها “أوروبا” التي تحمل في ذاتها روحاً إلهية بريئة وشفّافة . 

وتقول الأسطورة السورية أن الأميرة (أوروبا) حلماً ذات ليلة غريباً ، رأت فيه امرأتين تتنازعانها ، فاستيقظت خائفة ، ونزلت تتمشى مع وصيفتها على شاطئ البحر . وكان الإله “زيوس” يراقب المشهد من السماء فلفتت (أوروبا) نظره بجمالها ، ولاحظت “أفروديت” آلهة الحب نظراته فأرسلت سهماً من سهام الحبّ إلى قلبه ، فلم يعد قادراً على مقاومة حبّه للأميرة الجميلة وقرر النزول إلى الأرض لاختطافها والزواج منها . 

بدَّل “زيوس” من مظهره وتقمَّص شكل ثور رائع الجمال ، ونزل إلى الشاطئ السوري هادئاً ومتنقلاً بين الفتيات بكل وداعة وأمان . ولما اقتربت منه “أوروبا” لمسته بيدها بلطف فأصدر خواراً جميلاً وانحنى أمامها يدعوها للركوب على ظهره . فهمت الأميرة إشارته واستجابت لطلبه ، وما إن اعتلته حتى انطلق بسرعة البرق نحو الغرب عبر البحر الأبيض المتوسط .

 لم يغُصْ الثور في الماء لأن الموج كان يهدأ برؤيته وتصبح المياه أكثر صفاء و سكوناً وهو يركض على صفحتها . وفزعت (أوروبا) من هذا المخلوق ، فأمسكت بإحدى قرنيه بإحدى يديها ، بينما أمسكت ثوبها باليد الثانية حتى لا يطير ويتبلل بالماء . وظهر لهما إله البحر (بوسيدون) تواكبه ملائكة المياه على ظهر الدلافين كجوقة احتفالية يهلّلون فرحاً بهذا الزواج الإلهي .

وبعد أن عرَّفها (زيوس) بنفسه ، وقال إنه كبير الآلهة وإن غاية الحب دائماً هي الزواج . عرج إلى جزيرة “كريت” ، حيث أقيمت له ولمحبوبته احتفالات عظيمة وانهالت التهاني للإله الأسطوري الأعظم الذي تابع رحلته من “كريت” إلى اليونان وحَطَّ مع عروسه تحت شجرة دلب ضخمة ، وتزوجا بفرح عظيم .

أثمر زواج كبير الآلهة من “أوروبا” بعدة أولاد أشهرهم “مينوس” و”رادامانتوس” اللذان كوفئا على عدالتهما في الأرض فجعلهما الإله (زيوس) حاكمين على الأموات .

وبعد زمن اعترت “أوربا” رغبتها في اكتشاف أرض جديدة ، فبدأت رحلتها نحو القارة العجوز ، لتكشف عن أرض لم تكن معروفة وليس لها أي اسم ، فسُميَّت “أوروبا” تكريماً لها وهي التي جاءت من بلادها على صورة آلهة مكتملة ، إلى عالم لم يكن معروفاً لتتزوج وتنجب من زوجها “زيوس” أولاداً حكم كل منهم مدينة من تلك البلاد المجهولة .

وتذكر المراجع روايات مختلفة عن قصة (أوروبا) إذْ يقول “معجم الأساطير اليونانية” إن الإحالة هنا إلى العلاقات الوثيقة التي جمعت أهل جزيرة (المورة – اليونان) كما سماها الفينيقيون السوريون مع الساحل الشرقي للمتوسط ليس على الصعيد التجاري وحسب ، بل وعلى الصعيد الاجتماعي الإنساني أيضاً ، حيث يذهب الدكتور “أحمد داؤود” في كتابه “تاريخ سورية الحضاري” إلى القول : 

* – إن أهل اليونان هم في الأصل قبائل سورية مهاجرة في وقت من الأوقات عبر آسيا الصغرى وعبر جزيرتي “كريت وقبرص” اللتين يتضح من أسميهما انتماؤهما إلى السريانية السورية القديمة ، و”قدموس” أخو “أوربا” عَلَّمَ اليونانيين اللغة السريانية المتطوّرة .

وحدث أن تفقّد الملك “أوجينور” إبنته ، فلم يجدها ، فأرسل أخاها “قدموس” في إثرها للبحث عنها ، ولما وصل إلى (طيبة) إستقبله الناس بالترحاب ، فعلَّمَهم الأبجدية السورية الفينيقية وأسس مدينة (قدميا) وهو الأمر الذي يعترف به علماء اللغات العالميين بأن تطور “اليونانية” بهذا الشكل سببه امتلاؤها بالخزان اللغوي الفينيقي السوري ، الذي اعترف به أيضاً “هيرودوت” وكثيرون من مؤرخي تلك الجزيرة النائية .

وقد حمل الإغريق العقيدة التي تقول بأن سوريا هي موطن إسم (أوروبا) ومهدها وإليها ترنو أنظارهم . وعندما جاؤوا مع (الإسكندر المقدوني) إلى سوريا في القرن الثالث قبل الميلاد ، كانت لسورية القداسة في نفوسهم ، فأنشأوا مدينة أطلقوا عليها مدينة (أوربا) والتي يُطلَق عليها اليوم اسم (صالحية الفرات) في دير الزور من شرق سوريا .

ومدينة (دير الزور أو دورا أوروبوس Dura -Europos )

على ضفاف نهر الفرات ، حيث قامت حضارات المدن العظيمة على ضفاف الأنهار . و فيها اقدم معبد وأقدم كنيسة في العالم وهي مدينة بابلية تناوب على سكناها الكثير من الحضارات المتصارعة (الفرس واليونان والرومان) لكن المقدونيين هم مَن أطلقوا عليها لقب (أوروبا) تيمناً باسم الأميرة الفينيقية السورية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى