قراءة في غوانتنامو ليوسف زيدان … بقلم الكاتبة / نادين الشاعر
الرواية الثالثة من محال، ونور ينتقل بنا الفيلسوف والأديب يوسف زيدان إلى بعد آخر من الحياة، مكان لم نعايش تفاصيلهُ لكننا نجد أنفسنا قابعين في سراديب العتمة وعلى درجات سلالم الزنازين المنفردة والجماعية
ينتقل بنا بين شخصيات لها طابعها الحياتي الذي يميزها والذي بسببه وجدت في هذه الظروف وهذا المكان المعتم والبارد، يصف لنا وجوه وشخصيات المحتجزين ومايقض مضاجعهم و أنفسهم ويصور لنا الوحشية بطريقة مشذبة ويفرد لنا على بساطٍ أحمدي التغيرات النفسية والفيزبولوجية التي تحدث تباعاً للشخصيات كافة وهذه العلاقة الوثيقة بين السجين والسجان بين الأصوات التي تكون النقطة الفارقة في التغيرات والاحداث المميزة التي تحدث داخل هذه الجدران المصطنعة مبيناً الوظيفة الحقيقية للحواس ..
وينتقل بنا إلى خوف الطرفين من بعضهما وتفصيل الأحداث بشكل استهلالي خوف السجين ربما أو انتظاره الموت الحتمي وجزع السجان من خلفية موت الأول بأسلوب سهل وأدبي مصوراً لنا المكان والزمان كأننا روحه رواية غوانتنامو تجسد لنا بشكل منطقي أن مايحدث دائما ممنهج وله سبب ونتيجة
الشخصية الأساسية في النص و التي ترتكز عليها الأحداث منذ طفولتها تعتمد على الانسيابية لا تخطط لشيء إنما تعيش الحدث بتفاصيله وتتحمل تبعاته بجلد غير مألوف ، شخصية نهمة للحياة الآنية التي تحياها تخوض المعترك وتتقبل نتائجه هزيمة كانت أم فوزاً. شخصية اقتحامية دون نية مسبقة فجأة نجدها دليلاً سياحياً تتقن لغة أخرى تعشق نور رغم انها شخصية تقليدية تفرض عليه التواجد معها بدافع الاكتشاف نجدها في احدى دول الخليج تعمل مع شبكة إعلامية مشهورة تسافر كحامل الى أماكن غريبة وبعيدة تتزوج من الاوزباكستانية و تجد السلام في الحياة الروتينية الراكدة عمل جيد وامرأة جميلة وأهل رغم بعدهم هم بخير. دون إنذار نجده وسط الأهوال وتدور الأحداث لنجد أنفسنا أمام شخصية عميقة تسجل كل مايعتريها ردات فعلها تجاه المواقف ناضجة وعلى قدر من المسؤولية شخصية بسيطة حد السذاجة ولكنها فعليا محبوبة بشكل لا إرادي تجذب الرفاق والنساء وتتعامل مع المواقف بطريقة الخيرة فيما يختاره الله. الله المتجسد في كل لحظة من حياة أبو بلال المصري الذي يحفظ كل ماقاله الشيخ نقطة ويعيده مسترجعاً ذكرياته ليكتشف أن الشيخ نقطة كان فيلسوفا وله نظرة بعيدة وربما هو يمثل الوعي في النفس البشرية ..
الشعور بالخيانة والنقص هو الحدث التحولي واستجرار الجسد نحو الغيبوبة للهرب لنجد أنه رغم سوء كل ماحدث معه تبقى الظروف والعقلية القبلية ونظرة المجتمع القاهرة “مثل خيانة الزوجة ” بنظره أبشع ما قد تعرض له رغم التعذيب والجوع والخوف، إلا أن الشعور بالخزي وعدم الرضا عن الذات هو الشعور الاقوى والاقسى..كثيرة الاحداث متواصلة وجذابة مترابطة ضمن حبكة روائية سردها متقن ..
في النهاية نجد أنفسنا أمام عمل روائي من الدرجة الممتازة لغوياً صياغياً وأدبياً. عمل تجد نفسك داخله تتذكر كل أحداث جزئيه الماضيين وتعيش أحداث الحاضر منه كأنك أحد خيوط اللعبة أو ربما زواية من زوايا الأمكنة فيه..
نص غوانتنامو مدهش بحجم يوسف زيدان الروائي الفيلسوف الذي يقرب لنا كل بعيد ويوجه مداركنا باتجاه التساؤلات المنطقية ليفتح لنا أبواب جديدة من الوعي و الإدراك ..