قصة لعنة الموت الجزء الثالث والأخير .. بقلم/فتيحة بقنظرن

قصة لعنة الموت الجزء الثالث والأخير .. بقلم/فتيحة بقنظرن

نجحت خطتي في المرة الثانية بعدما فشلت في المرة الأولى، أنا الآن في غابة لا أعلم أين سأتجه ولمن سوف أتجه، ولكن المهم أنني حرة، حرة وبعيدة عن العبودية. وبعد ساعات طوال من المشي وسط ظلمة الغابة، سمعت صوت الرجل الخمسيني يناديني بإسمي “جمانة ،جمانة، أين أنت؟”، خفت كثيرا أن يمسك بي ، بدأت أجري بكامل قوتي وكلما حاولت الإبتعاد عنه أشعر به يقترب مني أكثر فأكثر,ثم رأيت بالصدفة ضوء سيارة ما متجهة نحوي ،وقفت أمامها بكل جرأة دون الخوف من الموت ، لتقف السيارة فجأة ويخرج منها شاب طويل القامة ووسامته عبارة عن مزيج بين الجمال العربي و الأجنبي ،ناهيك عن معالم الثقة والشهامة التي تظهر عليه ،طلبت منه المساعدة، وكانت هذه أول مرة في حياتي أتخلى فيها عن كبريائي وأطلب المساعدة من شخص ما ، لكنني بين خيارين ،هل أتخلى عن كبريائي وكرامتي أم أدعهم يمسكون بي وأعيش حر الموت مجددا ؟ .تردد الشاب للوهلة الأولى على مساعدتي، وأخيرا وافق أن يقدم لي يد المساعدة بعدما أن لاحظ مدى خوفي وارتعاشي، ووعدني أن لا يتخلى عني إلى أن ينقذني من الظلم الذي أتعرض إليه، حاول مساعدتي بشتى الطرق، أخذني بسيارته إلى أن وقعنا في حادث سير من فرط السرعة ، استيقظنا بعدها على صوت الرجل الخمسيني يناديني بإسمي “جمانة ،جمانة،أين أنت؟” أصبحت أكره هذا الإسم كرها شديدا بعدما خرج من فم ذاك الرجل ،بدأنا نجري أنا وليث في الغابة ولا مفر لنا سوى القفز داخل حفرة كبيرة ليتشتت انتباهه ومن تم نحاول الخروج مرة أخرى ، وهذا ما حدث بالضبط ، فما كانت إلا دقائق معدودة حتى اختفى صوت الرجل الخمسيني، وبعدها خرجنا من تلك الحفرة وبدأنا نجري إلى أن وجدنا سيارة متجهة نحونا آخذين نلوح بأيدينا كي تقف لنا. 

           وصلنا إلى منزل ليث الذي كان بمثابة منزل الأحلام، أخذ يضمد جروحي بعناية تامة ، اشتقت للشعور بهذه الحنية ، خفت كثيرا من البقاء معه ، خفت أن يستيقظ ذاك الشعور الذي دفنته لسنوات طوال وبعدها أفتقده، لأنني لم أعد قوية كما كنت ، نفذت قوتي كلها في تلك القرية ، القرية الملعونة التي لم أرى فيها أي يوم جميل منذ وفاة أبي.

          ساعدني ليث على العثورعلى منزل بسيط، كنت في غاية السعادة ،وأخيرا ،أنا حرة وأستطيع العيش كأي شخص عادي، بدأت أقفز وكأنني طفلة صغيرة ، وكان ينظر إلي بنظرة غريبة تمزج بين الفرح والإعجاب والتعجب ، كان بالفعل محط تغيير كبير في حياتي، حيث وجد لي وظيفة قادتني إلى القمة ، كان أكثر شخص فخور بي، يؤمن بقدرات المرأة ، وأنها تستطيع صنع ما لم يستطع الرجل صنعه، يا له من رجل رائع ! يحسسني بقوتي وقيمتي، على عكس أهل القرية، الذين لا يرون للمرأة أي مستقبل سوى الزواج وتربية الأطفال. كنا دائما ما نحتفل ويقدم لي هدايا متنوعة على أساس أنها هدايا رمزية لتشجيعي على نجاح أكبر. لكن، ذات مرة، عزمني ليث على عشاء رومانسي، كنت متوترة للغاية ، لكنني تمالكت أعصابي بصعوبة وحضرت للعشاء بكل ثقة في النفس، وبالطبع هذا ليث الذي عزمني، الشخص الذي يثق في نفسه وفعل المستحيل كي يصبح طبيبا، ومن أنا حتى لا أثق في نفسي، ومعي شخص منحني فرصة لأثق في نفسي، كما منحني فرصة لأعرف معنى الحياة وأتأقلم مع الحياة في المدينة والعالم الجديد الذي أتواجد به الآن، عالم غريب لكنه جميل. وجدت مفاجأة لم تكن في الحسبان ،خاتم زواج ينتظرني وبجانبه ليث الذي يهتز من كثرة التوتر، لم أصدق نفسي ، هل هو أيضا يبادلني نفس الشعور؟أصبحت أسبح بين الغيوم في السماء من فرط السعادة ، فجأة تغيرت حياتي وأصبحت أعرف معنى الفرح والسرور.وها أنا الآن زوجة لطبيب ناجح منذ 5 سنوات، وأم لطفلين يفتخران بأمهم التي أصبحت امرأة ناجحة تقود بشباب اليوم نحو المستقبل. لكن لعنة الموت لازالت تلاحقني، اقتحم الرجل الخمسيني المنزل ذات مرة، ليجد ليث نائما على سريره ليستغل الفرصة ويطعنه في صدره بالسكين كي يسهل عليه التقرب مني ، وجدتها فرصة لأنتقم منه، لأنتقم لطفولتي ولشرفي ولأملي الذي فقدته، بعدما كنت فتاة يتيمة وضعيفة، أصبحت أم أرملة ومجرمة ، قتلت الرجل الخمسيني بفازة زهرية قدمها لي ليث كهدية لزواجنا، لأدفع ثمن لعنة الموت مجددا.

      كثيرا ما نشعر بأنها النهاية، فتظلم الحياة في أعيننا ونستسلم إلى قارب الموت الذي يحمل جثث قلوبنا تاركا أرواحنا تحترق على جمرة الحياة. لكن، وبدون سابق إسرار ،يظهر النور الذي سيأخذ بأيدينا على خطى الأمل الذي يجرنا إلى عالم من الأحلام والنجاحات، عالم لا وجود فيه لألم أو فشل، لندرك بعدها أن هناك بداية بعد نهاية، بداية تحيي الميت وتخرجه من ظلمات القبر إلى نور الحياة،لكن القدر يستطيع أن يعيدنا دائما إلى نقطة الصفر.

      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى