كتب : د . عاطف عبد الجليل الازمة الاقتصاديه وتغير انماط الاستهلاك في لبنان

وصل اللبنانيون إلى حالة يرثى لها من النواحي الاقتصادية والمالية أثرت بالتالي على أوضاعهم الاجتماعية وأنماط إستهلاكهم وقدرتهم الشرائية. تعدلت أنماط الاستهلاك عند اللبنانيين التي كانت رائجة طيلة ثلاثين سنة من عمر تثبيت سعر الصرف اللبناني للعملة الوطنية أمام الدولار على سعر 1500 ليرة لبنانية لكل دولار ووصوله اليوم إلى ما يقارب المئة ألف ليرة لبنانية لكل دولار واحد.
الانهيار المالي أصاب بشدة الطبقات المتوسطة الدخل والطبقات الكادحة، وأحدث تبدلًا في أنماط استهلاك الطبقات كافة على السواء. من كان يعتبر من الطبقة المتوسطة بات بلمح البصر على مقربة من الطبقة الفقيرة بعدما تراجعت القدرة الشرائية لراتبه بنسبة 80% وأكثر (موظفو القطاع العام وهم الشريحة الأكبر من اللبنانيين)، أو بفعل خسارته لوديعته المصرفية بعد احتجازها في المصارف. أخرون انتعشت قدرتهم الشرائية وقيمة رواتبهم خصوصًأ ممن يعملون في قطاعات تدفع أجور موظفيها بالعملة الخضراء أو “الفريش دولار” كما بات معروفًا في لبنان.
وبات كثير من اللبنانيين يبحثون عن بدائل لتلافي جحيم الأسعار الملتهبة التي أصابت كل مقومات الحياة اليومية والمجالات الحيوية الكافة. هذه البدائل جعلت شكل الإستهلاك أكثر استدامة من جهة، يمكن الإشارة إلى تراجع كبير في استهلاك الورق والقرطاسية والتقشف في المدارس والجامعات والمؤسسات بسبب قيمته المرتفعة، ويمكن الإشارة أيضًا إلى ازدياد معدل عمر الملابس ودورة حياة العديد من المواد وانتشار ثقافة الشراء المستعمل second hand وانتشار ثقافة المقايضة (السيارات والآلات الكهربائية والأثاث المنزلي وغيرها).
كثير من اللبنانيين باتوا يقتصدون في استهلاك الكهرباء، وصارت الإنارة تقتصر على الغرفة المأهولة فقط، بعدما كانت المنازل “تشعشع” إنارتها ليلًا ونهارًا، بينما اليوم ومع انقطاع كهرباء الدولة وانتشار مولدات الكهرباء الخاصة صار المواطن يحسب حساب كل شاردة وواردة. ترشيد الاستهلاك من الكهرباء إلى مياه الصرف الصحي ومياه الشرب وحزمة الإنترنت مما يعني نفايات أقل. وكما انحسرت ثقافة استجلاب الخدم للعمل المنزلي.
ظاهرة أخرى اجتاحت المجتمع اللبناني في المدن والأرياف كانت ظاهرة انتشار الطاقة الشمسية بغية تخفيض الكلف المالية المرتفعة التي يطلبها موردو القطاع الخاص وبغية توفير الكهرباء لساعات أطول في اليوم.
وبسبب ارتفاع أسعار الواردات لجأ كثيرون إلى بدائل تصنيع محلية وارتفع الاهتمام بالزراعة للاستهلاك المنزلي وارتفع الطلب على المنتجات الزراعية المحلية. أنتجت الأزمة المالية ما يمكن تسميته بتغيرات في “اقتصاد القيم” بما يشمل الأطعمة والألبسة ومجالات الترفيه والأخلاق والسلوكيات اليومية عند فئات عريضة من اللبنانيين.