إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي كان صلى الله عليه وسلم أعبد العباد لله تعالي وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل، فمتى يقدم الإنسان للقبر ما لم يقدم هذه الليالي ومتى يصلي ما لم يصلي هذه الأيام ومتى يذكر الله إذا لم يذكر الله هذه الليالي لأن الإنسان إذا دفن لن يصلي ولن يصوم عنه أحد، ولن يذكر الله عنه أحد رأيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر تسير وتغدو بنات الثرى.
فتمحو محاسن تلك الصور، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، أما بعد احذروا أيها الأخوة الأحباب من يوم القيامة فإنه يوم الطامة ويوم الصآخة، ويوم القارعة، وإنه يوم الفرار، فقال الله تعالى “يوم يفر المرء من أخية وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه” والناس على هذه الحال في الموقف الشديد، والكرب العظيم، ويطول الانتظار والكل ينتظر الحساب والوقوف بين يدي الملك الديان، سُكون يخيم علي كل شيء صمت رهيب وهدوء عجيب ليس هناك سوى موتى وقبور انتهى الزمان وفات الأوان وتبعثر القبور وتنشق الارض ويخرج منها البشر حفاة عراة عليهم غبار قبورهم كلهم يسرعون يلبون النداء فاليوم هو يوم القيامة لا كلام.
ينظر الناس حولهم في ذهول الجبال دكت والانهار جفت، والبحار اشتعلت، والارض غير الارض، والسماء غير السماء، لا مفر من تلبية النداء، وقعت الواقعة الكل يصمت الكل مشغول بنفسه لا يفكر الا في مصيبته، وإن الكبر هو مرض خطير، وداء عليل، لا يخلو منه كثير من البشر بنسب متفاوتة، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وموجب لغضب الرحمن، وسبب عظيم من أسباب الحرمان، حقا إنه الكبر، فلا يليق بالمخلوق الضعيف أن يتكبر على الناس, ولا أن يدخله العُجب والغرور، فالكبر والعجب داءان مهلكان, لا يتحلى بهما إلا أراذل الناس، والكبر حمق ورداءة عقل، قيل لبعضهم ما الكبر ؟ قال حمق لم يدرى صاحبه أين يضعه، ولا يتكبر أحد إلا لشعوره بالنقص في داخله فالمتكبر ناقص مهزوز الثقة بنفسه.
يرى أن فيه عيبا ونقصا، لا يزيله إلا بإظهاره للناس عكس ذلك فيتصنع الكبر والغرور فيرى أنه بهذا قد كمُل، وهو عند الناس في غاية الحقارة والمقت، وقد ذم الله تعالي الكبر في مواضع من كتابه، وذم كل جبار متكبر، فقال تعالى ” سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق” فالمتكبر مصروف عن الحق والهدى، لأنه أقل وأحقر من أن يعطاه، وقال تعالى ” كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار” فالمتكبر مطبوع على قلبه، مختوم على فؤاده، والمسكين لا يشعر بذلك أبدا، والمتكبرون هم أهل النار وحطامها، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى فى الحديث القدسي ” تحاجت الجنة والنار، فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة ما لى لا يدخلني إلا ضغفاء الناس وسقطهم،
فقال الله تبارك وتعالي للجنة ” أنتى رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار، إنما أنتى عذابي، أعذب بكى من أشاء من عبادي ولكل واحده منكما ملؤها” رواه البخاري ومسلم.