الطمع والأنانية وإنحدار الحضارات … بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الطمع والأنانية وإنحدار الحضارات … بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

 

الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد إن تسمية الدولة المملوكية أو السلطنة المملوكية تسمية تأريخية حديثة نسبيا ابتكرها المؤرخون المعاصرون، ولم تك معروفة في عصر المماليك، وإنما عرفت هذه الدولة بتسميات مختلفة في زمنها، وسمت المراجع العربية المعاصرة لعهد المماليك البحرية هذه الدولة باسم دولة الأتراك أو دولة الترك أو الدولة التركية، وفي عهد المماليك البرجية سميت الدولة باسم دولة الجراكسة أو الدولة التركية الجركسية، على اعتبار أن المماليك الشراكسة أو الجراكسة كانوا يتحدثون بالتركية لأنهم تربّوا منذ استقدامهم لمصر في كنف المماليك الترك. 

ومن التسميات الأخرى التي اعتمدها المؤرخون المسلمون قديما أيضا وإن يك نادرا هو إسم الدولة البحرية والدولة البرجية، في كل عهد على حدة، وشاعت هذه التسميات في العصر الحالي للتمييز بين العهدين المملوكيين، وكما عرفت هذه الدولة كذلك باسم الدولة المغولية، وذلك لفترة قصيرة فقط من عمرها، خلال سلطنة العادل كتبغا لكونه مغوليا، وأيضا عرفت الدولة طيلة عهد السلالة القلاوونية باسم دولة بني قلاوون أو دولة قلاوون، كما عرفت قبل ذلك في عهد الظاهر بيبرس وابنيه السعيد ناصر الدين محمد والعادل بدر الدين سلامش باسم الدولة الظاهرية، ويعد عهد المماليك في مصر هو بداية دور الإنحطاط في تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكن ليس معنى ذلك أن هذا العهد كان مجدبا تماما، إذ شهد عدة منجزات علمية وفكرية. 

وإنما بدأت الحضارة الإسلامية في تلك الفترة تتراجع شيئا فشيئا، ففي حقل العلم كانت القاهرة ودمشق وحماة من أهم مراكز طب العيون في العالم، وقد أخرجت عددا من الأطباء الأفذاذ الذين كانوا حُجة ومرجعا في هذا العلم، أما في الأدب والتاريخ والدين فقد ظهر عدد من أعظم الباحثين وأغزر المؤلفين المسلمين، مثل ابن خلكان صاحب كتاب وفيات الأعيان في السير، وأبي الفداء صاحب كتاب تقويم البلدان في الجغرافيا، والسيوطي وابن خلدون والمقريزي، وابن كثير صاحب كتاب البداية والنهاية، وهم من أشهر المؤرخين المسلمين، وقد اشتهر بعض سلاطين المماليك بتشجيع العلم وتكريم العلماء وبإنفاق المال بسخاء على تأسيس المدارس وإنشاء المكتبات، ومن تلك الصروح العلمية المدرسة الناصرية ومدرسة قايتباي في القاهرة.

 

والمدرسة والمكتبة الظاهرية في دمشق، والمدرسة القرطائية في طرابلس الشام، وأيضا أصبح الجامع الأزهر في العهد المملوكي جامعة كبرى تدرس بها مذاهب أهل السنة والجماعة الأربعة إلى جانب العلوم الأُخرى، وقد ساءت الحالة الاقتصادية في الدولة المملوكية خلال أواخر العهد البرجي بسبب حالة القلق وعدم الإستقرار الناجمة عن الفتن الداخلية والانقلابات، وعن الحروب الكثيرة التي شنها المماليك ضد المغول والصليبيين وغيرهم، وبسبب توقف حركة التجارة مع أوروبا بسبب مشاعر الخوف والكراهية وعدم الثقة التي خلفتها الحروب الصليبية بين الأوروبيين والمسلمين، وكذلك بسبب إنتشار المجاعة والأوبئة وخصوصا وباء الطاعون الذي فتك في سنة ألف وثلاثمائة وثماني وأربعين.

إلي ألف وثلاثمائة وتسع وأربعين ميلادي، بأكثر من مليون شخص، وأخيرا بسبب روح الطمع والأنانية التي سيطرت على عدد كبير من سلاطين المماليك وجعلتهم يوجهون سياسة الدولة الاقتصادية وفقا لمصالحهم الشخصية، فكان ذلك من العوامل المساعدة التي ساهمت بتسريع سقوط الدولة في يد العثمانيين، وتطلع الشعب في الشام ومصر إلى هؤلاء كمنقذين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى