أخر الأخبار

الكوارث والمعرفة د .على أحمد جديد

الكوارث والمعرفة ..

                        د.علي أحمد جديد

 إن التفكير والبحث السويّ في العدالة الإلهية حول الأسباب البعيدة (الاستراتيجية) للحكمة الربانية في حدوث الأمراض والمصائب وووقوع الكوارث ، يوصل إلى أن جميع المصائب والكوارث إنما هي لخير الإنسانية بشكل أو بآخر .. وأن الأمراض ، والمصائب ، والنقص في الأموال والأنفس وفي الثمرات ، كلّها لخير الإنسانية وتقدمها وفي دفعها إلى تشغيل العقل والإبداع البشري .

( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال : والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) (155البقرة) .

وفي هذا يكمن المبدأ الإلهي لوقوع الكوارث الطبيعية ، لأن في الكوارث إكمال لإنسانية الإنسان ، وتحقيق المحافظة على الحياة البشرية التي وهبها الله تعالى لخليفته في الأرض (الإنسان) . ذلك لأن الكوارث الطبيعية تعمل كالسياط على كاهل الإنسان حتى يسعى ويعمل بجِدٍّ وإخلاص نحو الخير الذي يمكّنه أن يحفظ الحياة البشرية .

لم يكن الإنسان في أول الخلق مأموناً ولا مصوناً أو مُحَصّناً من المرض ومن آثار البرد والحرّ السلبية .. والتي كانت تشكّل له الخصم والعَدوّ .

ولو كان الإنسان من بعد (آدم) عليه السلام يعيش في جنة الجنان منذ اليوم الأول لوجوده ، لكان في مروجٍ خُضر ، لا برد فيها ولا حرّ ولا عدو ولا مرض يعكر صفو حياته . وإنسان اليوم كان في السابق مثل خروف لا يتحرك ، ولا يفكر ، ولا يسعى ، ولا يفتش عن مصالحه ، كما لا يعرف شيئاً من العلم ولا من الثقافة . ولعل سبب تقدم أوروبا في الفترة الأخيرة من التاريخ وأساس دافعها كان بسبب قساوة البيئة الطبيعية التي أُوجِدَ الأوربيون فيها ، لأنه كلّما كان الجوّ أقسى ، وكلما كانت البيئة أعنف في تحدياتها ، وفي تحرك الأنسان في وعيه أكثر ، وفي تفكيره أكثر كي يصل إلى النتائج المُرضية والحلول .

ففي أول الخلق كان وجود المرض دافعاً رئيساً للإنسان كي يفتش عن علاج يشفيه ويردّ له قواه بعد أن رأى في المرض تعرّضه للموت ، وكان إبنه معرّضاً للموت ، إبنته معرضة للموت ، وكان يحزن ويتألم ولكنه في نفس الوقت كان يبحث ويفتش عن الحلول ، أي أنه كان يحرّك تفكيره الذي قاده في البداية نحو الأساطير ، ولما اكتشف بأنه أخطأ في تفكيره الذي يقوده إلى الابتعاد عن الواقع والحقيقة ، توجّه إلى التجريب لكشف العلاج الناجع الذي يخلّصه من المرض . وفي تلك التجارب اقتحم غوامض الكون ومجاهله وبدأ في مسيرة النجاح بعد أن أدرك أسرار الكون واستغلها ليتطور ويسيطر ، وهكذا كان يتَقدَّم .

وكان وجود المرض هو الحاجة ، والسبب والدافع الرئيس إلى التفكير ، وبالتالي إلى استخدام العقل والوصول إلى المعرفة . 

والبرد كان مع المرض دافعاً للتأمل وللتفكير ، وكذلك الحرّ كان دافعاً آخر ، وكما العدو الذي يهدد الحياة والبقاء . كل تلك الدوافع والأسباب التي أحاطت بالإنسان من كلّ جانب كانت تنهال على كاهله سياطاً تدفعه كي يفكر ويفتش عن الوسائل التي يعالج بها مشاكله .

إذاً ، فقد خُلِق الإنسان لكي يفكر حتى يتوصل للمعرفة ..

” وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليَعبِدونِ ” .

ولمعرِفة بعد التفكير أوصلت للعبادة التي لاتكون إلا عن يقينٍ تامٍ وكاملٍ الذي هو (الإيمان) ، لأن الغاية من الخلق هي المعرفة ، والتوصل من خلالها إلى أنه المفروض على الإنسان أن يعرف إنسانيته أولاً ، والمهمة التي خُلق لأدائها والتي هي مهمة العلم والمعرفة . 

وما كان لمهمة المعرفة أن تتحقق لو كان الإنسان ومصوناً ومُحصّناً من الكوارث والمصائب التي تتولد منها الحاجات .

وعلى ضوء ذلك ولنفس السبب كانت الكوارث الطبيعية سواء البراكين أوالأعاصير والعواصف والزلازل .. كلها كانت الأسباب والدوافع الت قادت وتقود الإنسان إلى التفكير والمعرفة التي تدفع الإنسان ليكتشف بأن الكارثة هي مجرد إنذار وتحريض له حتى يفكر ويعرف القوى الكونية .. يعرف الزلزال فيدرس أسبابه ، ويفكر ليتوصل إلى معرفة كيفية التغلب على دماره ، ولولا وجود الزلازل ماوُجدت آلات لمعرفة الزلزال تلك التي يسمونها Sismographe ولم يفكر الإنسان أن يبني بيته بشكل يقاوم التهدم و لا يتحطم ، أو على الأقل بطريقة لا تقتل الإنسان أثناء وقوع الزلزال ، وبالتالي يتغلغل الإنسان في المزيد من غوامض الكون ليعرف الكون .

صحيح أن للزلازل ضحياها ولكن البقية الباقية من البشرية ارتفعت بعد التفكير في الكارثة إلى مستوى من المعرفة أرفع مما كان . 

وهكذا كانت الأمراض أيضاً ، تدفع للبحث عن تخفيفها وإيقافها أو القضاء عليها ..

وكذلك العواصف والبراكين وكلّ شيء في الطبيعة ومن الطبيعة إنما يشكّل الدوافع للإنسانية في اكتساب المعرفة لتحصين المستقبل الآتي والمحافظة على استمرارية الحياة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى