وقل رب إرحمهما .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

وقل رب إرحمهما .. بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع فى المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر، فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما ” إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم تسليما” فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد لقد بيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه جملة من أنواع البر بالوالدين وصوره، فإنه تعالى بعد أن أمر بعبادته وتوحيده أردف ذلك بالوصية بالإحسان إلى الوالدين فقال تعالي ” وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” ثم ذكر تعالى بلوغهما الكبر عند الولد.
وهو إشارة إلى حاجتهما إليه بعد أن قد أدّيا ما عليهما من التربية والإحسان، فأمر بلين الكلام وطيب المقال، وأشار إلى أدنى مراتب الأذى وهو كلمة “أف” تنبيها على ما سواه من أنواع الأذى باليد واللسان، ثم نهى عما هو أعظم من ذلك فقال تعالي ” ولا تنهرهما ” أي تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا، ولا تتكلم معهما إلا بأدب وإحترام، ولا تقل لهما إلا ما يدخل عليهما الفرح والسرور، وجنبهما كل ما يؤذيهما ويدخل الحزن على قلوبهما من مشاكلك أو مشاكل إخوانك، ولا تريهما إلا الإبتسامة ولا يسمعان إلا الكلمة الطيبة، واجلس معهما وآنسهما، لا تقدم مجالس أصحابك على مجالستهما، فهذا كله مما يقربك إلى ربك زلفى، ويرفعك في الجنة نزلا، ويبرك بعد ذلك أبناؤك كما بررت بوالديك.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما لرجل أتفرق النار، وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت إي، والله قال أحيّ والداك؟ قلت عندي أمي، قال فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر، ثم قال تعالي ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ” أي تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر، فعن عروة قال في تفسير الآية الكريمة أنه المراد ” لا تمتنع من شيء أحبّاه” ثم بين أن من أعظم حقوقهما وصور الإحسان إليهما الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، في حياتهما وبعد وفاتهما، فقال تعالي ” وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” وصور بر الوالدين كثيرة متعددة وجامعه، فقيل أنه أبصر أبو هريرة رضي الله عنه رجلين، فقال لأحدهما ما هذا منك؟ فقال أبي، فقال لا تسمّه باسمه، ولا تمشي أمامه، ولا تجلس قبله.
فيا أيها المسلمون اعلموا أن حق الوالدين عظيم، فمهما أديت لهما من الحقوق والإحسان فلن تبلغ جزاء ما قدما لك، فقد شهد بن عمر رضي الله عنهما رجلا يمانيا يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر، ثم قال يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ فقال له ابن عمر رضي الله عنهما لا، ولا بزفرة واحدة، فاللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اللهم اجمعنا بهم في الفردوس الأعلى، فاللهم صلي وسلم على النبي المصطفى المختار، اللهم وارضَ عن خلفائه الأربعة أصحاب السنة المتبعة أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.