أخر الأخبار

التجارة مصطلحاً وتاريخاً ..          د.علي أحمد جديد

التجارة مصطلحاً وتاريخاً ..

                       د.علي أحمد جديد

 إن مصطلح تبادل السلع والخدمات على أي نطاق كان الدولي الواسع منها ، أو المحلي الضيّق يسمى (تجارة) ، وفي أغلب الأحيان تتم تلك العمليات مقابل الحصول على المال وتحقيق هوامش مختلفة من الربح . وتؤكد “الميزة النسبية” في ذلك التبادل ، بأن (التجارة) مفيدة لجميع الأطراف ، رغم أن النقاد مازالوا يتجادلون في النفي أو في التأكيد بأن (التجارة) تؤدي في الواقع إلى التقسيم الطبقي بين الدول . 

وللعلم والتوضيح فإن “الميزة النسبية” تعني زيادة كفاءة التداول عالمياً الذب تسمح فيه التجارة الدولية – من الناحية النظرية – للدول الغنية باستخدام مواردها التصنيعية ، سواء كانت باليد العاملة أو بالتكنولوجيا أو برأس المال، وذلك بشكل أكثر كفاءة في سبيل تحقيق أعلى الإيرادات ، لأن البلاد التي تتمتع بأصول وموارد طبيعية مختلفة (الأرض والعمالة ورأس المال والتكنولوجيا) وبتقنية اليد العاملة والمنتِجَة تستطيع إنتاج السلع بكفاءة أكبر وبتلفة أرخص ، وبالتالي يمكنها البيع دائماً بأسعار أدنى من الأسعار التي تحددها البلدان الأخرى . وإذا لم تتمكن دولة ما من إنتاج أي عنصر مُعين بالكفاءة وبالمواصفات المميزة ، فيمكنها الحصول على هذا العنصر من خلال التجارة مع الدول الأخرى ، وذل ما يُعرف بمصطلح “التخصص في التجارة الدولية” .

ومنذ ماقبل الإسلام حظيت شبه الجزيرة العربية بمكانة مهمة في التميز والنجاح بممارسة (التجارة) وذلك بفضل موقعها الجغرافي الذي يقع وسط ثلاثة مسطحات مائية ، إذ يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط وكان اسمه (بحر الروم) نظراً لسيطرة الإمبراطورية الرومانية على حوضه الكبير ، ومن الجنوب المحيط الهندي الذي عرفته العرب بتسمية (بحر الحبشة) ، وكذلك بفضل امتداد الأراضي اليابسة على الطول الغربي و الشرقي منها والتي يتخللها أيضاً مسطح مائي معروف في الغرب باسم البحر الأحمر ، وفي الشرق بحر فارس المعروف اليوم لدى الغالبية العظمى من الدول العربية باسم ( الخليج العربي ) . ولذلك انتشرت في تلك الفترة أنشطة الملاحة البحرية ، وكان العرب يصنعون القوارب الصغيرة ويبحرون على متنها الى السواحل القريبة منهم بقصد التجارة ، فيشترون البضائع ، زادت النخبة عند العرب ، فبرعوا في تقدير المسافات التي كانت تقطعها السفن ، و قاموا بتحديد أميال المسافات بالفراسخ ، وصارت العرب يستخدمون الرياح الموسمية في رحلاتهم البحرية للاستفادة من سرعة الرياح . كما لم تقتصر (التجارة) عند العرب على خوض البحار فقط ،بل سلكوا طرق البر على الإبل للنقل والتنقل إلى الشام والعراق من جهة وألى اليمن والحبشة من الجهة الثانية ، وحظيت قريش بمكانة رفيعة بين قبائل العرب التي كانت لها أيضاً مكانتها الروحية السامية بوجود البيت الحرام في قلب (مكّة) ، إضافة إلى كونها الوسيط التجاري المتميز بين كل أقاليم بلاد الشام وبين الروم وبين المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة العربية (اليمن) الذي كانت تتميز بإمساكه التجارة الخارجية في يد التجار اليمنيين ، ولم تكن تجار (مكة) يجنون الكثير من الأموال كوسطاء فقط يتكسبون من العمولات ومن المساعدات التي يتلقونها لمعيشة السكان .

و في بداية القرن السادس الميلادي كانت (اليمن) بكل مافيها تحت سيطرة (الحبشة) و صحب ذلك ظهور بعض القبائل العربية بزعامة (قريش) التي تميزت بالتنظيم والاستقرار للقبائل الأخرى . وخاضت العرب حروباً ضد هيمنة الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية بهدف تأمين طرق التجارة ونجحت بعد السيطرة على المنطقة ، أن تكون الوسيط التجاري المحايد لكل المنطقة . وكان من أبرز البارعين في الحكمة وفي فرض السلام بين الجميع في ذلك الوقت هو القرشي (هاشم) – جد النبي صلى الله عليه وسلم – وأخوته الذين استطاعوا أن يكونوا أصحاب نفوذ قوية في قبيلة قريش ، والذين كان لهم اليد العليا في أنشطة التجارة والتوفيق بين التجار في الشمال وفي الجنوب . واشتهرت رحلات الصيف والشتاء التجارية عند القبائل العربية نتيجة قيام (هاشم) – جد النبي صلى الله عليه وسلم – بكل مابرع فيه من الحكمة والفطنة ، ونجح بترتيب القوافل التجارية التي كانت تأتي وتخرج من مكة ( ومن قريش بالأخص ) ، وقسّم الرحلات إلى (رحلات الصيف) التي كانت تتوجه ببضائعها إلى شمال مكة من بلاد الشام والعراق ، و (رحلات الشتاء) التي تتوجه نحو الجنوب من مكة وكانت تذهب إلى اليمن والحبشة . مع قيامه بتأمين القوافل فطريق ذهابها وعودتها بعقد العهود والاتفاقيات مع رؤساء القبائل التي كانت تمر منها هذه القوافل ، أو بإعفائهم من دفع أجور توصيل التجارة الى المناطق التي كان يقصدها ، وهنا قام هاشم بجعل قريش الشبكة الرئيسية للقوافل التجارية وبدأت هنا تسيطر على التبادلات التجارية في المنطقة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى