اليهودي في مجلس المأمون …بقلم / محمـــد الدكـــرورى

اليهودي في مجلس المأمون …بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن ألحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجزِ لفظ وأعجزِ أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، قال يحيى بن أكثم رحمه الله تعالى كان للمأمون، وهو أمير إذ ذاك، مجلس نظر، فدخل في مجلسه رجل يهودى حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، قال فتكلم فأحسن الكلام، قال فلما أن تقوّض المجلس دعاه المأمون فقال له إسرائيلى؟ قال نعم، قال له أسلم حتى افعل بك وأصنع، ووعده، فقال دينى ودين آبائى، فانصرف، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما.
قال فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما أن تقوّض المجلس دعاه المأمون فقال له ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له بلى، قال فما كان سبب إسلامك؟ قال انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنا مع ما تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت منى، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت منى، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها إلى الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامى، فقال يحيى بن أكثم فحججت في تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الحديث، فقال لى مصداق هذا في كتاب الله عز وجل.
قال قلت فى أى موضع؟ قال فى قول الله عز وجل في التوراة والإنجيل كما جاء فى سورة المائدة “بما استحفظوا من كتاب الله” فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل فى سورة الحجر “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع، يا أهل القرآن يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم فى سورة الأنعام ” فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ” وفى هذه الآية الكريمة لون من ألوان الإعجاز العلمى في كتاب الله تعالى فقد اكتشف الطيارون الذين يحلقون على ارتفاعات عالية، أنهم يعانون من ضيق يجدونه في صدورهم يزداد كلما صعدوا في السماء حتى يصل إلى درجة الاختناق.
وذلك بسبب تناقص الأكسجين عن الكمية اللازمة كلما ازداد الإنسان ارتفاعا في السماء، وهذه الحقيقة لم تكن معروفة من قبل، إذ إن الناس كانوا يعتقدون أن الهواء يمتد بصفاته المعروفة إلى الكواكب والنجوم، لكن القرآن ذكر هذه الحقيقة قبل أن يعرفها البشر جميعا منذ ما يقرب من أربة عشر قرنا من الزمان، أى من استحق أن يضله الله بأعماله السيئة، ومحاربته للدين، جعل الله صدره يضيق بالموعظة، أو بما يذكره بالإسلام كضيق ذلك الذى يصعد في السماء، والبشر كلهم كانوا يجهلون هذه الحقيقة وهي حقيقة حدوث الضيق الشديد لمن يصعد في السماء، ولم تعرف هذه الحقيقة إلا بعد أن صعد الإنسان بالطائرات إلى السماء.
فهل كان لمحمد صلى الله عليه وسلم طائرة خاصة به من دون الناس فعرف بها هذه الحقيقة؟ أم إن هذا وحى نزل بعلم الله؟ فإنه حق علينا أن ندعو الناس إلى دين الله تعالى من خلال تعريفهم بما في القرآن الكريم من الآيات البينات الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.