بدايةً ، ولمعرفة الفرق بين مصطلح “الصوم” كما جاء في القرآن الكريم وبين مصطلح “الصيام” في مفهوم الفريضة الشعائرية ، فإن البعض قد يراهما يتفقان بالمعنى اللغوي لكل من الصيام والصوم ، والذي يعني كما يتردد عند الكثيرين ، بأنه الإمساك عن الطعام والشراب ، كما في الاصطلاح الذي يُعرِّف “الصيام” بأنه الإمتناع عن الأكل والشرب ، وعن باقي المفطِرات ، أي كل مايفسد الصيام في الفترة الممتدة مابين الفجر وحتى المغرب مع سبقِ النية على الصيام :
” يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكُمُ الصِيامُ كما كُتِبَ على الذينَ مِن قبلِكُم لَعلّكُم تَتَقون ” البقرة 183.
وأباح فيما بعد المغرب ممارسة كل ما هو بعيد عن المحرَّمات الشرعية :
وقد تمّ الاتفاق على الجَمعِ بين المصطلحين عند المُفَسِّرين وبناء هذا الاتفاق على أساس الأحاديث النبوية الشريفة التي استخدمت المصطلحين في التعبير عن نفس الدلالة . لكن مايجب التصديق والإيمان به أولاً ، هو أن القرآن العظيم لايحتوي بين دفتيه كلماتٍ مترادفةً لنفس المعنى ، أو لنفس الدلالة أبداً . لأن “الصيام” إنما يعني الامتناع عن الطعام و الشراب وعن باقي المفطرات ، ويحدِّده في الفترة الممتدة بين الفجر وحتى المغرب ، والتي هي الفريضة الإلهية المعروفة من شهر رمضان المبارك .
لكن القرآن الكريم الذي هو مصدر التشريع الصحيح والبعيد تماماً عن الاجتهادات بجلاء وضوحه ، فقد فرّق بين المصطلحين ، إذْ أنّ الآيات السبع التي ذُكر فيها الصيام إنما كانت تعني بدلالةٍ واضحةٍ الإمساك عن الطعام والشراب ، وعن بقية المفطرات جميعها من الفجر وحتى المغرب ، أما لفظ كلمة (الصوم) فلم يأتِ ذِكرُه في القرآن العظيم إلا مرة واحدة ، وذلك في قوله تعالى :
لأن المقصود بالصوم في هذه الآية هو الإمساك عن الكلام ، وعن الأذى الذي قد يستجلبه الكلام ، في حالة البوح به ، سواء لمَن يقول أو للمتلقي لهذا الكلام .
والفرق بين كلمة “صوم” وبين كلمة “صيام” فإن “الصيام” هو الامتناع عن الطعام وعن الشراب و باقي المفطرات من الفجر حتى المغرب .
أما “الصوم” فإنه يخص اللسان و ليس المعدة ،وبصورة خاصة ، قول الحق و الامتناع عن قول الزور سواء في شهر رمضان أو في غيره من الشهور والأيام ، لأن الله تعالى قال في الصوم :
إذ يتضح بأن السيدة (مريم) عليها السلام كانت قد نذرت “صوماً” ولم تمتنع أن تأكل أو تشرب ، لأن “الصيام” وحده دون أن يرافقه “الصوم” لا يمكن أن يؤدي الغرض المطلوب من فريضة “الصيام” لقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم
“من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه” .
بينما قال الله تعالى في الحديث القدسي المعروف :
” كل عمل ابن آدم له إلا (الصوم) فانه لي و أنا أجزي به” .
وهنا يكون الله تعالى عَزَّ و جَلّ قد ذكر “الصوم” وعظَّمَهُ لأن فيه صلاح المجتمع وسلامته ، ولم يذكر “الصيام” الذي يعني الامتناع عن الاكل والشرب !!.
وقد يتبادر الظَنُّ لدى البعض إلى أن المقصود في هذا الحديث القدسي هو فريضة “الصيام” وليس “الصوم” بمعناه ، وهذا خطأ فادح لأن “الصيام” بالامتناع عن الأكل والشرب يقدر عليه حتى الطفل الصغير ، أما “الصوم” العظيم فإنه يحتاج إلى صبر عظيم ، لأن الصبر على أذية الآخرين و الصبر على إيفاء الحقوق وعلى قول الحق ، ورعاية الذمم حق رعايتها فهو من الأمور التي تحتاج إلى جهاد عظيم مع النفس أولاً ، ثم مع الآخرين . وقد قال عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم :