(لو كان الوفاء رجلاً)

مما لا شك فيه أن صفة الوفاء من أفضل الصفات التي يحبها الإنسان، يقدرها ولا ينسى صاحبها، تظل محفورة فى قلبه، الإنسان الوفي لا يُنسي في أي حال من الأحوال، قد يتعدي الأمر عالم الإنسان فنجد أحدهما يتغني ويتغزل فى قطته والآخر فى كلبه لا يُثني إلا علي صفة واحدة فقط وهي الوفاء؛
قل الأوفياء فى عالمنا حتي أصبحنا نشعر أنهم عملة نادرة صعبة التواجد، لو تكلمنا على الوفاء بوجه أعم وأشمل وجدنا بين الدول والحكومات الوضع يتغير،
تتحكم لعبة السياسة فى الموقف فنجد الوفاء أصبح مرتبط بالمصالح المادية وبمجرد اختفاءها يتوارى الوفاء معها، الأمثلة كثيرة منذ القدم وأيضاً بين أشهر القادة والزعماء فى التاريخ فلو تكلمنا عن سادة العالم كما يزعمون سنجد نقض العهد فى ازهي صوره، ما فعله مُلهم الفرنسيين وامبراطور عاصمة النور نابليون بونابرت عندما أمّن أهل يافا على أرواحهم إبان حملات الفرنسيس على الشام ثم قتلهم جميعاً ما هو إلا مثال لخيانة العهد، ما فعلته بريطانيا العظمي مع الشريف حسين بعدما وعدته بحكم الحجاز فى حالة خروجه على الخلافة العثمانية كان أيضاً خيانة للعهد، ماتفعله راعية العالم ورمز الديموقراطية الأن امغريكا منذ تبنيها حل القضية الفلسطينية، وصموتها على ما يُرتكب فى غزة أليس قتل لأي عهد !!
الحقيقة كلما بحثت عن أمثلة لنقض العهد أجد نفسي فى خندق الغرب الذي يزعم الحضارة والمدنية، لكن عند محاولة العثور علي أمثلة فى الوفاء بالعهد أجد نفسي اتراجع مئات القرون كي أعود لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، كلما رجعت وجدت الأمثلة الحقيقية على الوفاء بالعهد، لننصت لما حدث من أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان وبالتحديد قبل غزوة بدر الكبرى، حيث كان من ضمن المهاجرين للمدينة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ووالده، كانت هجرتهما بعدما أخذ مشركي قريش من حذيفة عهد صريح ألا يقاتل مع المصطفي ضدهم وبعدهما عاهدهم حذيفة تركوه، مرت الأيام وحذيفة فى المدينة بين كنف الصالحين، وسرعان ما اشتعلت أحداث بدر الكبري حتي جاء حذيفة ليعد نفسه للقتال، هنا جاء أشرف من أنجبت الأرض على ظهرها، محمد صلى الله عليه وسلم ليتكلم مع حذيفة قائلا : ألم تعاهد قريش ألا تقاتل معي ضدهم؟
سكت حذيفة ثم أجاب بنعم،
كان رد المصطفي الذي علم الدنيا الوفاء : لن تشارك فى القتال، لا تنقض عهدك مع قريش وسيعيننا الله عليهم!!
ما هذا الخلق وما تلك الشهامة، لولا أن الحديث فى أعلي درجات الصحة لشككت فيه، غزو بدر كانت هامة جداً واعتبرها الكثير موقعة فاصلة، سميت بيوم الفرقان، لم يكن عدد المسلمين كبير لذا فالمصطفي يريد كل سيف قادر على العطاء، فى ظل هذا الموقف يرفض اثنين دفعة واحدة فى القتال، لسبب واحد فقط، ليس لعدم جاهزيتهما للقتال وليس لتكتيك معين يتخذه صلى الله عليه وسلم ولكن بسبب واحد وهو الوفاء بالعهد رفض تدعيم قوته واستغني عن مجهود رجلين فى حرب ضروس ليس إلا لعدم نقض العهد، راعي الأغنام الذي عاش فى البادية عنده الكثير ليقدمه لكل مدعي الحداثة والمدنية، من كان يرقع ثوبه ويربط بطنه بالحجارة من شدة الجوع له دروس مجانية لمن يريد تعلمها من عاصمة النور وبلاد الديموقراطية فى الوفاء بالعهد، من كان بيته بالايام لا يُشعل به وقود للطعام يقدم كُرس تعليمي لزعماء الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس فى الوفاء بالعهد، ليس وفاء مع الأصدقاء أو وفاء مع الأقرباء ولكنه وفاء مع الأعداء، وفاء مع أُناس طردوه من دياره وعذبوه مع أصحابه بل عدوا العدة لقتاله،
صلي الله عليك يا خاتم المرسلين ولو كان الوفاء رجلاً لانحني تقديراً لك يا إمام النبيين .
د/ محمد كامل الباز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى