الدكروري يكتب عن: زكاة القلب وزكاة البدن

الدكروري يكتب عن: زكاة القلب وزكاة البدن

 

الحمد لله الذي خلق البشر وأمر بطاعته كما أخبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله ربه إلى الأسود والأحمر، صلى الله وسلم عليه ما بزغ نجم وظهر وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر أما بعد إن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة ، فالإنسان إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله، أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه، فإذا قبل الباطل أحبه ورضيه، فإذا جاء الحق بخلافه ردّه وكذبه إن قدر على ذلك وإلا حرّفه، أما القلب الطاهر، فلكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه.

ولا يتداوى إلا بأدويته وأما القلب الذي لم يطهّره الله تعالى، فإنه يتغذى من الأغذية التي تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة، فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض، لا تلائمه الأغذية التي تلائم الصحيح، وإن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله تعالى الذي يعلم ما في القلوب، ويعلم ما يصلح له منها وما لا يصلح، ومن لم يطهر الله قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة، بحسب نجاسة القلب وخبثه، فالجنة دار الطيبين لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخبث، فمن تطهر في الدنيا بالإيمان والأعمال الصالحة، ولقي الله طاهرا من نجاساته دخلها بغير معوق لأنه جاء ربه بقلب سليم، وعمل قويم ومن لم يتطهر في الدنيا، فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال.

وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعدما يتطهر في النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها إلى الجنة بعد طهارته، وكذلك المؤمنون إذا جاوزوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة والذنوب والخطايا توجب للقلب ضعفا، فيرتخي القلب، وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه، والخطايا والذنوب للقلب بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولذلك كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب، واشتد ضعفه ومقاومته للباطل، والماء يغسل الخبث، ويطفئ النار، فالقلب والبدن بأشد الحاجة إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما، وإن الدنيا والآخرة ضرّتان، فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى، وبقدر ما تعمر إحداهما تهدم الأخرى، وبقدر ما تقدم إحداهما تؤخر الأخرى.

وطالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا، حتى يقتله الشرب والدنيا سريعة الفناء، تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، وأنت أيها العاقل اللبيب عليك أن تتخلى عند إحداهما، فأيهما ستبقي؟ ومن أمراض القلب الحرص والطمع، وينتج عن الحرص والطمع البخل والشح، وهو من أمراض القلوب، فسبب البخل والشح الطمع والحرص وحب المال، وهذا مرض للقلب عظيم، عسير العلاج، إن المال وسيلة إلى مقصود صحيح، وقد يجعل منه آلة ووسيلة إلى مقاصد فاسدة، فهو بحسب استخدامه يكون محمودًا أو مذموما، ولما كانت الطباع مائلة إلى اتباع الشهوات القاطعة عن سبيل الله، وكان المال مسهلا وآلة إليها، عظم الخطر فيما يزيد على قدر الكفاية من المال، فعلى العبد القناعة.

فإن تشوف إلى الكثير أو طول أمله فاته عز القناعة، وتدنس لا محالة بالطمع وذل الحرص، وجرّه الحرص والطمع إلى مساوئ الأخلاق، وارتكاب المنكرات الخارقة للمروءات، والوقوف بأبواب اللئام، فإذا تيسر للعبد في الحال ما يكفيه، فلا يضطرب لأجل المستقبل، ويعينه على ذلك قصر الأمل، واليقين بأن الرزق الذي قدر له لا بد أن يأتيه وإن لم يشتد حرصه، وأن يعرف ما في القناعة من عزّ الاستغناء، وما في الحرص والطمع من الذل، ثم ينظر في أحوال الأنبياء والأولياء، ويخير نفسه بين أن يكون مقتديا بأعز الخلق عند الله، أو مشابها لأراذل الناس، وعليه أن يفهم ما في جمع المال من الخطر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى