ملحمة نجاح مصر على إرهاب الجماعة الشيطانية بعد 30 يونيو

موجة عاتية من الإرهاب، اجتاحت مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، مدفوعة بممارسات وإستراتيجيات جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرت الصراع مع الدولة “معركة وجود” بعد الإطاحة بحكمها.
تلك الفترة شهدت تحول كل أطياف الشعب المصري ومؤسساته إلى هدف مشروع لعمليات الجماعة الإرهابية، واستهدفت بضرباتها المؤسسات الأمنية والقضائية والدينية بشكل خاص، سعياً لإضعافها وزعزعة الثقة في قدراتها، فضلاً عن نشر الفوضى في جميع أنحاء البلاد، من سيناء وصولاً إلى القاهرة.
وساهم في تدعيم أنشطة الجماعة الشيطانية داخل مصر، البيئة الإقليمية المضطربة، إذ ساهمت الصراعات في سوريا والعراق وليبيا في توفير بيئة خصبة لتدفق المقاتلين والأسلحة والأموال عبر الحدود للجماعة الإرهابية، ما فاقم من تحديات الأمن القومي المصري في مواجهة الإرهاب.
استجابة قوية من الدولة المصرية لتحدي الإرهاب
أمام هذا التحدي الكبير، لم تقف مصر مكتوفة الأيدي، بل اتخذت نهجاً شمولياً في مكافحة الإرهاب، يشمل ليس فقط الأبعاد الأمنية للظاهرة، بل يتعداها ليشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتنموية، بالإضافة إلى تناول الأسباب الجوهرية الأيديولوجية والفكرية.
الجهود الأمنية والعسكرية في مكافحة الإرهاب
لعبت قوات مكافحة الإرهاب المصرية دورًا فعالًا في كسر قوة التنظيمات الإرهابية، وتدمير قدراتها العسكرية، وتقييد نطاق نشاطها الإرهابي؛ وذلك من خلال سلسلة ضربات عسكرية قادها الجيش والشرطة ضد معاقل العناصر التكفيرية، مثل عملية “حق شهيد” و”العملية الشاملة – سيناء 2018″، والتي أدت إلى تحصين العناصر الإرهابية في شمال سيناء، والقضاء على قادتها، وتفكيك بنيتها التحتية.
وكان المفتاح الرئيسي لنجاح هذه الضربات هو الاعتماد على محورين أساسيين؛ الأول هو توجيه ضربات استباقية للتنظيمات الإرهابية لإضعاف قدراتها التنظيمية، والثاني هو القدرة على تعقب وضبط مرتكبي الجرائم الإرهابية باستخدام التقنيات الحديثة.
بالإضافة إلى توسيع الجهود الأمنية على المستوى الدولي من خلال التنسيق مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) والكيانات الإقليمية والعربية، لتضمين وإصدار نشرات حمراء بحق قادة وكوادر وعناصر هاربة على المستوى العالمي، بالإضافة إلى إدراج العناصر الهاربة البارزة ضمن القوائم الإرهابية وتجميد أموالهم.
وتم العمل على تقييد قدرات قيادات وأفراد الجماعة في تنفيذ مخططاتهم العدائية الموجهة للداخل، وذلك من خلال عدم التوسع في إبرام اتفاقيات التعاون الأمني مع الدول، بل التركيز على تنسيق وتطوير التعاون الأمني في مجالات مختلفة، وخاصة مكافحة الإرهاب.
الجهود الدولية كانت مفتاحا لإسقاط الإرهاب
وعلى الساحة الدولية، مصر لم تقف عند حدود تدابيرها الأمنية والعسكرية داخليًا فحسب، بل تعدتها لتشمل إستراتيجية شاملة تجاه التعاون الدولي والإقليمي في مكافحة الإرهاب؛ ومن خلال التنسيق المستمر مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) والتعاون مع كيانات إقليمية وعربية، نجحت مصر في إصدار نشرات حمراء تستهدف القيادات والكوادر الإرهابية الهاربة على المستوى الدولي.
هذا التعاون أثمر عن تجميد أموال العديد من هذه العناصر والعمل على تحجيم قدراتها في تنفيذ مخططاتها العدائية ضد الأمن القومي المصري.
بالإضافة إلى ذلك، عملت مصر على توسيع نطاق اتفاقيات التعاون الأمني مع دول أخرى لتطوير وتنسيق التعاون في مجالات عدة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، ما يشير إلى التزام مصر ببناء شبكة دولية متينة لمواجهة هذا التحدي المشترك.
الحرب على الإرهاب الفكري بالتعاون بين الأزهر والكنيسة
الدولة المصرية تنبهن إلى أهمية مواجهة الإرهاب ليس فقط بالقوة العسكرية والأمنية، بل أيضًا على الصعيد الفكري والثقافي؛ من هذا المنطلق، انطلقت المبادرات الرئاسية لتصويب الخطاب الديني وتعزيز دور المؤسسات الدينية، بما في ذلك الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنيسة، في مكافحة الأفكار المتطرفة والفتاوى التكفيرية.
وتم إنشاء مراكز مثل “مركز الأزهر للترجمة” و”مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية” و”مرصد الأزهر لمكافحة التطرف”، والتي تعمل جميعها على تفكيك الأسس الأيديولوجية للإرهاب وتقديم تفسير صحيح ومعتدل للدين يعزز قيم السلام والتعايش.
التنمية أقوى سلاح ضد الإرهاب
إستراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب ارتكزت على أهمية البُعد التنموي لتحقيق الأمن والاستقرار؛ لذلك، تم الإسراع في تنفيذ مشروعات التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية، واعتماد مبادرات تهدف لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، مثل برنامج “تكافل وكرامة” ومبادرة “حياة كريمة”.
هذه الجهود لا تقتصر على تعزيز الاقتصاد الوطني فحسب، بل تشمل أيضًا تعزيز النسيج الاجتماعي وتوفير الدعم للفئات الأكثر حاجة، ما يساهم في بناء مجتمع متماسك يقف بقوة في وجه التطرف.
الحرب على الإرهاب امتدت للتشريعات
تبنت مصر جهودا تشريعية بناءً على التزامها الدستوري في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وتعقب مصادر تمويله.
وقد صاغ المشرع المصري مجموعة شاملة من التشريعات الوطنية التي تتفق مع التزامات مصر الإقليمية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب، بما يتماشى مع إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.
وتشمل هذه التشريعات، على سبيل المثال لا الحصر، قانون رقم 94 لعام 2015 لمكافحة الإرهاب، الذي يتعامل مع جرائم الإرهاب وتمويله بشكل شامل من النواحي الموضوعية والإجرائية. كما يشمل القانون رقم 175 لعام 2018 المتعلق بمكافحة جرائم التقنية المعلوماتية، والذي يهدف إلى تشديد الرقابة على الجرائم الإرهابية من خلال جني المسؤولية على أي اختراق أو اعتداء على أنظمة المعلومات الحكومية أو استخدام وسائل المعلومات لتسهيل جرائم الإرهاب.
كما يشمل القانون رقم 14 الذي تم تعديله بواسطة القانون رقم 95 لعام 2015 بشأن التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء، والذي ينظم عملية تملك الأراضي والعقارات والاستثمار في سيناء، بهدف تعزيز التنمية الشاملة في المنطقة وتنظيم الاستثمارات والملكية العقارية بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في سيناء.
مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب
واستكمالًا للجهود التشريعية والأمنية، ركزت مصر أيضًا على تعزيز استراتيجيتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ من خلال تجريم تمويل الإرهاب وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب وتعزيز قدرات وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تؤكد مصر أهمية قطع مصادر التمويل عن الجماعات الإرهابية كأحد الركائز الأساسية في مكافحة الإرهاب.
ضحايا الإرهاب في عيون الدولة المصرية
لم تنس مصر ضحايا الإرهاب في إستراتيجيتها الشاملة؛ حيث أنشأت المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين لتقديم الدعم اللازم لهم، سواء كان ماديًا أو نفسيًا، مؤكدة على أهمية العدالة الاجتماعية والتكافل في مواجهة تداعيات الإرهاب.
الجهود الإقليمية والدولية
تُوّجت الجهود المصرية بتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب، من خلال دعم الجهود الإفريقية والعربية والمشاركة النشطة في المبادرات الدولية لهذا الغرض. مصر، من خلال رئاستها المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب مع الاتحاد الأوروبي، تؤكد دورها القيادي ونجاح تجربتها كنموذج يحتذى به في محاربة الإرهاب على مختلف الأصعدة.