لتفسدن في الأرض مرتين .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

 

 

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، لقد أوسع المتعالون من بني إسرائيل الأرض فسادا، فكلما زاد علوهم زاد فسادهم، فقال الله تعالى عنهم كما جاء فى سورة الإسراء ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا” وكثر فسادهم وإفسادهم حتى صار الإفساد ديدنهم.

وصار طبيعة فيهم حتى أنهم لا يشعرون بذلك، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” ولم يفلح معهم العلاج، حتى الوحي المتنزل من السماء لم يمنعهم من الإفساد، بل كانوا يوغلون في الطغيان حتى فيما بينهم، فصاروا ميؤوسا من صلاحهم واستحقوا أن يكونوا الأمة المغضوب عليها إلى يوم القيامة بسبب فسادهم وإفسادهم، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين” والفساد في بني إسرائيل لم يكن على مستوى الساسة والقادة والزعماء فقط.

بل وصل إلى من يفترض أنهم يقفون في وجه الفساد إصلاحا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، فقد سكت علماء الضلالة فيهم عن إنكار المنكر، فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يفعلون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون” فإن تلك المراتب الخمس للإفساد في الأرض، قد أحدثها ويحدثها البشر على هذا الكوكب، فالناس لا غيرهم من المخلوقات هم الذين ملأوا الأرض بالفساد حين ضلوا عن مناهج الوحي الإلهي عبر العصور، أما بقية مظاهر الحياة على الأرض فإنها تتأثر بفساد المفسدين من البشر تبعا، فقال الله تعالى فى سورة الروم ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”

وإن استفحال الفساد والإفساد في العالم يؤدي إلى مساوئ وآثار سلبية كبيرة ومتنوعة ومن هذه الآثار، هى آثار دينية، فإن الفساد سبب في نزول العذاب وحلول النقم من الله تعالى، وهناك أيضا آثار اجتماعية، حيث يزرع الفساد بذور التفرقة والعداوة والبغضاء بين الناس ويحطم كيان الأسر، وتتفاقم المشكلات الأسرية، وفيه إهدار لكرامة الفرد وعرضه، ويهدد النوع البشري، وأما الآثار النفسية والصحية، فالمفسد فاقد للأمن النفسي والاستقرار العقلي، حيث يسيطر القلق والاضطراب عليه، وأما آثاره الاقتصادية، فتترتب عليه مضار كثيرة ويؤدي إلى إهدار المال العام، ويعود على الدولة بالخسارة المالية، ويقف دون التقدم الاقتصادي والرقي الحضاري للمجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى