الدكروري يكتب: إنما يتقبل الله من المتقين

 

 

الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله ومصطفاه، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه، أما بعد إن السلف رضى الله عنهم كانوا يستقبلون الشهر قبل قدومه بستة أشهر، وبعد رمضان يدعون الله ستة أشهر أخرى يطلبون من الله تعالى أن يتقبل منهم أعمالهم، وقيامهم، وصيامهم، وزكاتهم التى كانوا يفعلونها فى هذا الشهر المبارك، فهذا عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين وخليفة المسلمين فى زمانه وسيد من سادات التابعين، خطب الناس فى يوم عيد الفطر، وقال أيها الناس إنكم قد صمتم لله ثلاثين يوما، وقمتم لله ثلاثين ليلة، وها أنتم قد خرجتم الآن لتطلبوا من الله عز وجل أن يتقبل منكم ذلك”.

وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه “كونوا لقبول العمل أشد حرصا منكم على العمل، أما علمتم أن الله تعالى يقول” إنما يتقبل الله من المتقين” فالسلف رضى الله عنهم بعد عبادتهم كانوا يتوقفون مع أنفسهم ويراجعون أعمالهم، هل هى مخلصة لله عز وجل؟ هل هى مستقيمة على منهاج النبوة؟ فكانوا يربطون ذلك بقبول العمل أو رده، ولذلك كانوا إذا عملوا عملا يخافون بعده، لم يكونوا يفرحون أنهم قد صلوا وصاموا، وإنما كانوا وجلين خائفين أن يرد الله عز وجل عليهم عبادتهم ولذلك عندما قرأت عائشة رضى الله عنها ذات يوم ” والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون” فظنت أن هذا فى باب المعاصى والآثام، فقالت يا رسول الله أهذا الزانى يزني، والسارق يسرق؟ قال لا يا بنت الصديق، إنما هؤلاء أقوام أتوا بصلاة وصيام وزكاة، ويخافون ألا يتقبل منهم.

وعن أنس رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ” قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت ؟ قال” ليس ذلك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه ” قال ” وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر، أو ما يلقى من الشر، فكره لقاء الله فكره الله لقاءه ” وفى قوله تعالى” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم” فقد قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما، نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاءنا عند الله، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر ربنا الله وحده لا شريك له، ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، فاستقام” وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال، قد قال الناس ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها فهو ممن استقام، فيامن رفعت كفيك في رمضان طالبا الهداية، زاعما الرجوع، مدعيا الإقبال، هل صدقت في زعمك، ووفيت مع الله بعد رمضان؟ أم أنك رغت روغان الثعلب فتعاملت مع الله بذمتين، ذمة رمضانية، وذمة غير رمضانية، ولقيت الله بوجهين، وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “شر الناس ذو الوجهين” فكان حالك قريبا من حال المنافقين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى