بهدوء وبعقل بقلم : لواء / حسام سمير

أمس الأول وفى ظل توترات حرب الشرق الأوسط وعلى الأراضى العربية فقط المحتل منها والغير محتل ..تفاجأنا جميعا بشاشات قنوات التلفاز تنقل لنا صورة حية لقصف ايرانى لتل أبيب
سمعنا أصوات صافرات الانذار تدوي. فى أرجاء إسرائيل ..شاهدنا صواريخ إيران فى السماء المظلمة تنيرها وتلمع فيها بضوئها ..سمعنا أنباء اتجاه المسيرات القادمة من الشرق إلى اسرائيل من أجل قصفها
بدا لنا المشهد كما لو كان متفقا عليه أو مرتبا ..وأن الضربة الإيرانية محددة ومحسوبة وتحت رعاية أمريكية وبموافقة اسرائيلية
فايران كان لزاما عليها أن ترد الضربة الاسرائيلية التى نالت من كبريائها وفتونتها بقصف قنصليتها فى سوريا
وكان لزاما على أمريكا أن تقبل هذه الضربة حتى لاتتسع رقعة الحرب فى المنطقة ويخرج مخططها الاستعمارى عما رسمته لها مع شريكتها الأبدية اسرائيل
تحاول الإدارة الأمريكية كبح جماح الحكومة المتطرفة وضبط أداءها إلا أن اللوبى الصهيونى فى الداخل الأمريكى يكون على الدوام أقوى من الإدارة الحالية وماسبقها من إدارات
ولترتيب الضربة كان لابد من اتخاذ عدة خطوات حتى تنتهى بالسيناريو المرسوم لها فأرسلت حكومة أمريكا مدمرتين انضمت لها فى الدفاع كل من فرنسا وانجلترا حلفاؤها الدائمين بالدفع بطائرات وقطع بحرية ..ليس من أجل الدفاع فقط عن اسرائيل ولكن خشية أن تطور إيران هجومها المرتقب والمحدد توقيته سلفا بين أطراف الصراع
لم تستطع إيران فى هذه المرة أن تكتفى بالرد عن طريق أحد أذرعتها فى لبنان والعراق وسوريا واليمن ..فى هذه المرة استدعى كبرياؤها أن تتولى هى بنفسها الرد باتفاقها المسبق مع أمريكا على موعد الضربة ومكانها والأسلحة المستخدمة فى العملية بل توقيت بدأها وتوقيت انتهائها
لم تستخدم إيران طائراتها المقاتلة وطياريها حتى لاتخسرهما
وكيف وهى تملك عددا لابأس به من هذه النوعية من الطائرات المسيرة والتى دفعت بعدد كبير منها لروسيا فى حربها مع أوكرانيا
ولأن هناك حربا فى الشرق الأوروبى طال أمدها ..وأمريكا بطبيعتها السياسية والايدولوجية تشعل المواقف وتخلق التوترات فى أماكن تختارها بعناية فائقة فى ربوع العالم . فقد بدأت فى مراحل التخلى عن أوكرانيا بعد أن أجهدت روسيا وأفقدتها جزء كبير من ترسانتها العسكرية وأغرقتها فى وحل الشرق الأوكرانى . بينما تركت حلفاءها من الدول الأوروبية يواجهون بمفردهم الدب الروسى القوى وكان هدفها من ذلك إعادة الدول الأوروبية الكبرى إلى حظيرتها بعد أن رأت فى سياسة البعض منها وقبل الحرب المدبرة خروجا مخيفا مارسته فرنسا وألمانيا بالاقتراب من التنين الصينى وتوثيق العلاقات وظهر الرئيس الفرنسى ماكرون مطلا بوجهه فى العديد من القضايا العالمية والإقليمية متخطيا حدود الدوائر الأمريكية
لم يكن رجل المخابرات الذكى بوتين غافلا عما يمكن أن يحدث وكان له أن يبحث عن شواغل جديدة للإدارة الأمريكية ومن ورائها كل حلفائها الأوروبيين . فلم يجد أفضل من اسرائيل حتى يمكن له حسم المعركة الأوكرانية أو الاقتراب من نهايتها والجلوس إلى مائدة المفاوضات وهو يملى شروطه ليحقق أكبر الغنائم ..فدفع بحليفه الإيرانى مستغلا تمدده الشيعى فى لبنان وسوريا والعراق واليمن وأخيرا غزة بالتحديد ..فأغرق المنطقة فى حرب موحلة وسحب كثيرا من الجهد والقدرة الأمريكية لصالح حليفتها المدللة اسرائيل ..بينما استطاع هو على أرض الحرب فى أوكرانيا أن يعيد تكتيكاته العسكرية ويستعيد الكثير من الأرض التى خسرها فى الأشهر القليلة الماضية بينما رأينا أوكرانيا ورئيسها يصرخ ويستجدى الغرب وأمريكا فى الدعم وقد بات يعيد جنوده المصابين إلى أرض المعركة بعد علاجهم وهو يعانى من نقص الذخائر والامدادات
وقد يتساءل البعض لماذا كان هذا الاتفاق بين إيران وأمريكا على مثل هذه الضربة ..وهل هى تمثيلية هزلية لم يجيد أبطالها تمثيل أدوارهم حتى نالت سخط واستياء العالم وبدا المشهد يخفى وراءه سقوطا سياسيا لهم ويكشف لنا عوراتهم المفضوحة
هنا نؤكد أن اسرائيل وايران دولتين غير متجاورتين فى الأراضى ..ولهذا كان يجب أن ترتب إيران لضربتها أولا مع أمريكا لتتفادى عواقبها وثانيا لضمان إخلاء المجال الجوى للدول التى ستعبر منها صواريخها وطائراتها خشيت أن تطول إحداها أيا من الطائرات المدنية التى يتصادف مرورها أثناء الاطلاق وإيران لها واقعة سابقة أسقطت فيها طائرة كندية وداخل مجالها الجوى بعد إقلاعها من أحد مطاراتها فنالتها يد العالم بالحساب وبالتعويضات
ويمكن اعتبار أن إيران قد أرضت كبرياءها بأن استطاعت أن ترسم مشهد خادع بأنها الدولة الوحيدةالتى نالت من اسرائيل فى عقر دارها واستطاعت أيضا أن تلحق خسائر محدودة ومتفق عليها فى منشآت اسرائيل العسكرية ..وأخيرا فقد بات سكان غزة المغلوبين على أمرهم يوما بعيدا عن القصف الوحشى وهم فوق الأرض يشاهدون سماء تل أبيب المزينة بالصواريخ الساقطة بينما كانت اسرائيل وقيادتها تحت الأرض ينتظرون انتهاء الضربة المتفق عليها ولو لساعات قليلة
فى كل تطور جديد للأحداث ببرز سؤالا جديدا يفرض نفسه وفى هذه المرة نتساءل هل سترد اسرائيل بضرب العمق الإيرانى وهل ستكون ضربة متفق عليها أيضا أم أن السيناريو المحتمل أن المنطقة بأسرها ستشهد تحولا كبيرا فى الأيام القادمة
حماقات القادة تضع بصماتها على تاريخ الشعوب ..فلننتظر فمازال فى الأحداث الكثير والكثير