الدكروري يكتب: إعتبروا بما ترون وتسمعون

الحمد لله جعل الحمد مفتاحا لذكره، وجعل الشكر سببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، قضاؤه وحكمه عدل وحكمة، ورضاه أمان ورحمة، يقضي بعلمه، ويعفو بحلمه، خيره علينا نازل، وتقصيرنا إليه صاعد، لا نقدر أن نأخذ إلا ما أعطانا، ولا أن نتقي إلا ما وقانا، نحمده على إعطائه ومنعه وبسطه وقدره، البر الرحيم لا يضيره الإعطاء والجود، ليس بما سُئل بأجود منه بما لم يُسأل، مسدي النعم وكاشف النقم، أصبحنا عبيدا مملوكين له، له الحُجّة علينا ولا حُجّة لنا عليه، نستغفره ونتوب إليه مما أحاط به علمه وأحصاه في كتابه، علم غير قاصر وكتاب غير مغادر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد البشر أجمعين ورسول رب العالمين
فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثم أما بعد اتقوا الله، واعتبروا بما ترون وتسمعون، فتمر الشهور بعد الشهور والأعوام بعد الأعوام ونحن في سبات غافلون، ومهما عشت يا ابن آدم فإلى الثمانين أو التسعين، أو تجاوزت المائة، فما أقصرها من مدة وما أقله من عمر، فقد قيل لنبى الله نوح عليه السلام، وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، كيف رأيت هذه الدنيا فقال ” كداخل من باب وخارج من آخر” فاتقوا الله أيها الناس، وتبصروا في هذه الأيام والليالي فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة حتى تنتهوا إلى آخر سفركم، وكل يوم يمر بكم فإنه يبعدكم عن الدنيا ويقربكم من الآخرة.
فطوبي لعبد اغتنم حياته وهذه الأيام بما يقربه إلى ربه ومولاه، وطوبى لعبد شغلها بالطاعات واتعظ بما فيها من العظات وانقضاء الأعمار، وطوبى لعبد أستدل بتقلب الليل والنهار، على ما في ذلك من الحكم البالغة لأولي الألباب والأبصار، أما العام الجديد فهو صفحة بيضاء ينتظر الحفظة الكاتبون ما أنتم عاملون، ألا فاستقبلوه بعزائم قوية، ونية صادقة على فعل الخير، وسيحفظ لكم النقير والقطمير، ولن تكفروا من أعمالكم شيئا فيقول الله تعالى فى كتابة الكريم فى سورة الأنبياء ” فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ” فتذكروا أن عاما بأكمله سيجري الله فيه من الأحداث ما يجري ويقدر ما يشاء، ألا فاسألوه من خير هذا العام، واستعيذوا به من شروره وفتنه.
فلا يرد القضاء إلا الدعاء، وكم من فتنة حصلت؟ وكم من أمراض ومصائب وشرور حدثت في هذا العام المنصرم؟ فإذا سلمكم الله منها فيما مضى فاسألوه أن يحفظكم منها، ويعيذكم من شورها فيما تستقبلون من عامكم الجديد، فاستقبلوا العام الجديد بوضع عدد من التساؤلات والنقاط تحددون بها مساركم، وتقيمون فيها بعدكم أو قربكم من الخير، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمن هذه النقاط في التقويم، ما نوع العلاقة مع الله؟ وما نوع العلاقة مع الخلق؟ كيف أنت في العبادات؟ وكيف أنت في المعاملات؟