الوطنيون المصريون والإرهاب التوعوي بقلم / جمال حمدان بقلم / جمال حمدان الوطنيون المصريون والإرهاب التَّوْعَوِي الوط

الوطنيون المصريون والإرهاب التوعوي
بقلم / جمال حمدان
المُحاضر القانوني والإداري والخبير الدستوري
مَرَّت مصر ومرَّ على مواطنيها على مدار العِقد السابق مراحل وأنواعٌ مُتعددة ٌمن الإرهاب ، فقد مرَّ علينا الإرهاب الجنائي الذي استهدف الأرواح والأموال ، بل واستهدف اقتطاع جزء من أرض الوطن ، وما إن نجحت القوات المسلحة ومعها الشرطة المدنية ، في احتواء وامتصاص ومن ثم القضاء على موجات ذلك الإرهاب ، حتى دخلت مصر في معركة مع إرهاب من نوع آخر ، عانت ولا تزال تُعاني من تداعياته ، ألا وهو ما يُمكن أن نُطلق عليه الإرهاب الاقتصادي ، وذلك من خلال التضييق والحصار الخارجي من جانب ، وأفعال البعض من الشركاء في هذا الإرهاب من الداخل ، عن وعي وإدراك أو عن جهل وجشع ، مع عدم إغفال بعض الأخطاء التي ساهمت في زيادة تلك التداعيات مؤقتاً ، هؤلاء الذين كان هدف البعض منهم – ولايزال – هو سقوط مصر اقتصادياً وتأليب الشعب على الدولة ، أو افتعال كل ما يؤدي إلى جمعة – أو ( جُمعات ) – غضب جديدة تؤدي في النهاية إلى تحقيق هدف سقوط دولة كبيرة الحجم عظيمة الحضارة مثل مصر ، وها نحن قد بدأنا نتنفس الصّعداء قليلاً ، وندخل مرحلة الأمل التي قد يبدو لنا من خلالها النور من نهايات نفق الأزمة .
ولكن كان ملحوظاً – ولايزال – أن هناك نوعاً جديداً ومُستمراً من الإرهاب ، وهو لا يتوقف عند الإرهاب الفكري ، الذي يسعى إلى شَلِّ التفكير ومنع إعمال العقل ، بل أصبح يتعدّى ذلك إلى ما يُمكن أن نُطلق عليه إرهاباً توعوياً ، وهو المُصطلحٌ الذي أفضيت به إلى أحد السادة رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية الجُدُد ، على هامش إحدى الندوات التي أقامتها نقابة الإعلاميين ، وهو هذا الإرهاب الذي يعمل على عدم نشر الوعي والمعلومة الحقيقية الصادقة ، سواءً مِن قِبَل المُفكرين والكُتّاب ، أو حتى من قِبَل الفاعلين الوطنيين على وسائل التواصل الاجتماعي ، حتى تخلوا الساحة لمن يريد التضليل ، ولمن ينشر الدعايات السوداء ويساهم – عن وعي – في تزييف الوعي ، تمهيداً لنشر الفوضى وإكمال المخططات الشيطانية التي تم تكتمل.
وأصحاب هذا الإرهاب وفاعلوه لايريدون أنْ يصطف أحد مع الدولة منعاً لسقوطها ، فيطلقون على من يُبرز أي إيجابيات – أو حتى يذكر الدولة بخير – أوصافاً يَعِف اللسان عن ذكرها ويأبى القلم أن يَخَطَّها .
وهم لايريدون أن يتم تناول بعض الحقائق ، التي تفضح حقيقة العلاقات التاريخية والمُمتدة لشركاء المؤامرات الجارية التي تستهدف مصر وترابها ، تلك المؤامرات التي لا تُخطئها عيون الذين يتدبَّرون ، وهي أمور لا يصِح دبلوماسياً – وأحياناً استراتيجياً – أن تتناولها الدوائر الرسمية بطريقة مباشرة ، طبقاً لمعطيات الأمن القومي ، ولقواعد ذهبية تقول أنه ( ليس كُل ما يُعرف يُقال ) و ( لِكلِّ حادِثٍ حديث ) و ( السياسة مصالح ).
وهم لايريدون لِأحدٍ أن يتناول أي سلبيات يرى وجودها ، إلا من باب الهدم والتَّصَيُّد وإساءة الأدب ، وعلى أرضية العداء للدولة ذاتها وليس نظامها الحاكم ، وليس من باب البناء والحرص على الجبهة الداخلية ، ومعاونة الدولة على رصد أي قصور على أرض الواقع ، لدراسة أسبابه ومُعالجته وتفادي تكراره .
والخلاصة أننا نواجه إرهاباً من نوع جديد ومُستمر ، يستهدف منع القيام بواجب الوقت الحالي ، وهو إكساب الوعي والحفاظ على الوعي وتنمية الوعي ، وهو ( الإرهاب التَوعَوِي ) الذي يستهدف إخلاء ساحة الوعي الجمعي المصري ، لصالح شركاء مُؤامرة هدم الأوطان ، ولصالح أصحاب المصالح الضيقة ، ومواجهة هذا الإرهاب لا تكون إلا بعدم الرضوخ له ، وباستمرار أصحاب الرسالة في أداء رسالتهم ، مهما تعرَّضوا له من أذى في سبيل الله ثم في سبيل الوطن ، وأُسوتهم في ذلك الأنبياء وكفى بها أُسوة.