الدكروري يكتب عن: عيد الخلق المصري

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم اما بعد لقد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن أصل الإحتفال بشم النسيم، ولقد كان لجمال الطبيعة تعبيرا آخر عن فلسفة بدء الخلق التي طغت على عيد شم النسيم، وكان سرور المصريين بالغا بحلوله، إذ تعم الإحتفالات الشعبية والرسمية ويشترك فيه الفرعون والوزراء والعظماء، فهو العيد الذي تبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وينشط الحيوان لتجديد النوع، أي أنه بمثابة الخلق الجديد، ويخرج الناس أفواجا وجماعات إلى الحدائق والمتنزهات والحقول للتريض، ويستنشقون أريج الزهور ويستمتعون بالورود والرياحين، تاركين وراءهم متاعب الحياة وهمومها، ويصف عالم المصريات وليم نظير، مظاهر احتفال المصريين بقدوم شم النسيم قائلا واعتاد القوم أن يستيقظوا مبكرين لتحفيز الهمم والنشاط.

ورمزا لأولئك الذين أطاعوا الإله حتحور، فيخرجوا عند الفجر حاملين أواني البيرة ولونها يشبه الدم المسفوك ليسكبوها قبل فتكها وإهلاكها البشر أجمعين، وكما اعتاد المصريون أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويركبوا الزوارق الخفيفة على سطح النيل، ويغنون على أنغام الناي والمزمار ويرقصون ويصفقون ويقضون يومهم في لهو ومرح وسرور، وأما عن أحب الأطعمة التي كانت تمتلئ بها موائد المصريين في ذلك اليوم فكان البيض والسمك المملح وهو الفسيخ والبصل والخس والحمص الأخضر وهي الملانة ولحم الأوز المشوي، وكان البيض يرمز لخصب الطيور وموعد ظهور جيل جديد منه، في إشارة لنظرية بدء الخلق، لكنهم كانوا يقللون من أكله بعد فصل الربيع، لأنه بعد هذا الموعد يصبح غير مقبول، وكما اعتادوا تجفيف السمك وتمليحه كما هو الحال اليوم.

ويذكر هيرودوت أن المصريين كانوا يأكلون السمك ويجففون بعضه في الشمس ویأکلونه نیئا، ويحفظون بعضه الآخر في الملح، ولا شك أنه يقصد الملوحة أو الفسيخ حيث كانوا يرون أن أكلها مفيد أثناء تغير الفصول، أما البصل، فقد عثر على بعض النقوش التي تشير إلى تقديسه، إذ كانوا يعلقونه حول أعناقهم بخاصة في عيد نتر يت، الذي يقع مع عيد الربيع في اليوم التاسع والعشرون من شهر كيهك فيطوفون حول الدار البيضاء في منف تبرکا به، ومن العادات الشائعة لدى البعض حينها أن يعلقوا البصل فوق أسرة نومهم ثم يشمونه في الصباح الباكر، ويعلقون حزما منه على أبواب دورهم اعتقادا منهم بأنه يطرد الأمراض، كما اعتادوا أن يقربوا البصل من الطفل عند ولادته ليشمه، لما له من رائحة نفاذة، ومن ثم أصبح البصل تقلیدا يؤكل مع الفسيخ في عيد شم النسيم.

ويعتبر عيد شم النسيم وثيق الصلة بعيد الفصح لدى اليهود، فعندما خرجوا من مصر في عهد النبي موسی علیه السلام، كان ذلك اليوم يصادف موعد إحتفال المصريين ببدء الخلق وأول الربيع، واعتبروه رأسها لسنتهم الدينية، وقد سموا يوم خروجهم بالفصح، وهي كلمة عبرية بمعنى اجتاز أو عبر، واشتقت منها كلمة البصخة، في إشارة إلى نجاتهم وتحريرهم عندما ذبحوا خروف الفصح، وهكذا اتفق عيد الفصح العبري مع عيد الخلق المصري وهو شم النسيم، ثم انتقل الفصح بعد ذلك إلى المسيحية لموافقته موعد قيامة السيد المسيح، ولما انتشرت المسيحية في مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء، ويقع دائما في يوم الاثنين في اليوم التالي لعيد الفصح وهو القيامة، أما شم النسيم، فهو عید وطني قديم اتخذه القبط في أول فصل الربيع، ليكون رأسا لسنتهم المدنية غير الزراعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى