الدكروري يكتب: التفكر في ملكوت السموات والأرض

الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، المتفضل على خلقه بجزيل النوال، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى الحق، والمنقذ بإذن ربه من الضلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل، ثم أما بعد إن من صفات أهل اليقين المتقين انهم يفكرون في ملكوت السموات والأرض وبما خلق الله عز وجل في هذا الكون ويرون عظمة الله في خلق السموات والأرض والجبال والبحار وغير ذلك فيزيد لدى المسلم اليقين بالله عز وجل وعظمة قدرته سبحانه وتعالي، وأهل اليقين يوقنون أن النفع والضر بيد الله تعالي، ومن صفات أهل اليقين الكامل بأن الرزق ليس بيد أحد من البشر.
وأن هو بيد الله وحده لا شريك له “وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون” لذا تجدهم يتصدقون ولا يخشون الفقر، وقيل اليقين هو مشاهدة الغيوب بصفاء القلوب، وملاحظة الأسرار بمحافظة الأفكار، فاليقين هو أن يكون العبد مؤمنا بالله عن جزم وعن يقين، ويؤمن بأن الله ربه المعبود بحق، وأنه لا يستحق العبادة سواه، وأنه خالق كل شيء وأنه الكامل، في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه لا رب سواه ولا خالق غيره، فاليقين من أهم أعمال القلوب، والتي تجعل القلب مستقرا ومطمئنا، وأصحاب اليقين هم أهل الذكاء والفطنة الأكياس، وفي يوم من الأيام خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه أصحابه الكرام رضي الله عنهم في سفر، وكان السفر طويلا وشاقا.
فتعب الصحابة من ذلك السفر، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحبه ومولاه وخادمه قيس وقال له إبسط كساءك، فأسرع قيس إلى تلبية أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فرحا ومسرورا وبسط ثوبه، فأقبل الصحابة وجعلوا يضعون أشياءهم ومتاعهم في الكساء، فمنهم من ألقى سيفه ومنهم من ألقى رمحه، وكانت هذه أسلحتهم التي يقاتلون بها الكفار أعداء الله، فلما امتلأ الكساء حمله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لقيس رضي الله عنه ثم قال وهو يلاطفه و يداعبه احمل، ما أنت إلا سفينة، سماه الرسول صلى الله عليه وسلم سفينة لأنه يحمل الأمتعة في السفر كما تحملها السفينة، ففرح قيس بهذا الإسم، وقال لو حملت في ذلك اليوم أكثر مما يحمله بعير أو بعيران أو خمسة أو ستة ما ثقل علي، وذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم الذي سماه سفينة.
فصار يحمل مثل السفينة أثقالا كثيرة، ولأنه سارع في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعان أصحابه لم يتعب من حمل هذه الأشياء الثقيلة، وذات يوم ركب سفينة ، سفينة تجري في البحر تشق الأمواج بفضل الله ونعمته، وفجأة انكسرت السفينة فأنقذ الله عز وجل صاحب نبيه صلى الله عليه وسلم وتعلق سفينة رضي الله عنه في لوح السفينة التي تكسرت، فأخذت الأمواج اللوح الذي ركبه وجعلت تدفعه إلى الشاطئ وكل ذلك بحفظ من الله تعالى لهذا الرجل الصالح حتى وصل سفينة إلى ساحل البحر وقذفه الموج على الشاطئ سالما، نظر سفينة حوله، فوجد نفسه في غابة بها أشجار كثيرة، وفجأة سمع صوتا رهيبا مخيفا مزعجا، فالتفت سفينة فإذا بأسد متوحش قادم عليه يريده، لجأ سفينة إلى الله تعالى وعرف أن الله لا يضيع عباده المؤمنين.
وعلم أن الكون كله ملك لله يتصرف فيه كيف يشاء، وأن الأسد وغيره مهما كان قويا فهو مخلوق من مخلوقات الله إذا أمره الله بأمر ينفذه بالحال، فأقبل سفينة إلى الأسد في شجاعة وثقة بالله، وقال له يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع الأسد ذلك منه هدأ وطأطأ رأسه وأصبح كالهر الوديع ثم أقبل على سفينة رضي الله عنه يدفعه بمنكبه حتى أخرجه من الغابة كأنه يحرسه ويدله على الطريق، ثم التفت الأسد إلى سفينة رضي الله عنه وهمهم بصوت ضعيف كأنه يودعه، ثم دخل الغابة عائدا إلى عرينه يبحث عن طعام آخر غير هذا الرجل الصالح الذي يحبه الله ورسوله، وحمد سفينة الله تعالى على إنقاذه له، وحكى لأصحابه تلك القصة، وهذا بفضل اليقين التام بالله.