الدكروري يكتب عن: الفصل الذي ليس بالهزل

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد يا عباد الله، اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله تعالى قد أكرمكم بإنزال القرآن الكريم على نبيكم، وخصكم بشرف أعظم كتبه وإنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن ذاتها عجب، ومن طلعتها غُرّة، ومن بهجتها دُرّة، لاحت عليه بهجة القدرة. 

ونزل ممن له الأمر فله على كل كلام سلطان وإمرة، بهر تمكن فواصله، وحسن إرتباط أواخره بأوائله، وبديع إشاراته، وعجيب انتقالاته، من قصص باهرة، إلى مواعظ زاجرة، وأمثال سائرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة، وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب وإعتبار، ومواطن تنزيه وإستغفار، إن كان الكلام ترجية بسط، وإن كان تخويفا قبض، وإن كان وعدا أبهج، وإن كان وعيدا أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجرا أرعب، وإن كان موعظة أقلق، وإن كان ترغيبا شوق، فإن القرآن العظيم هو منهاج حياة فقد جاء ليبيّن للبشرية طريق نجاحها، وخطط رقيها وتقدمها، وعندما كانت البشرية لا تخرج في مجموعها عن ثلاثة أشكال، وهي أفراد، وهي وحدة بناء المجتمعات، وأسر وعائلات. 

وهي مجموعة من الأفراد تربط بينها وحدة الدم والنسب والمصاهرة، وكذلك دول، فقد تكوّن فيما بينها علاقات متبادلة، وتنشأ بينها خلافات، وربما حروب، وقد جاء القرآن الحكيم مستوعبا كل هذه الأشكال، وواضعا لها المنهج الأكمل كي تعيش منسجمة مع نفسها ومع الآخر، فحدد علاقات الأفراد بربهم سبحانه وتعالى، وحدد علاقاتهم بالأسرة وبالمجتمع الذي يعيشون فيه، كما حدد علاقات الدول بعضها ببعض، كل ذلك بنظرة شمولية، وقواعد كلية صالحة لكل زمان ومكان، وإن ثروة القرآن المجيد لا تقف عند حد الإعتقاد الصحيح وتوحيد الخالق جل جلاله، بل من جملة هذه الثروة ما يترتب على التوحيد من تهذيب السلوك، وتربية العقل والوجدان، وتصحيح المعاملات، وتطبيق قواعد العدل، وقد احتوى القرآن العزيز. 

على أنواع من الأعمال التي كُلف بها المسلمون كالعبادات المحضة، والمالية، والبدنية، والإجتماعية، وقد اعتُبرت هذه العبادات بعد الإيمان بالله تعالى هي أساس الإسلام، واشتمل القرآن العظيم على ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية وقد احتوت جملة وتفصيلا على العبادات والعقائد والتكاليف وأصول الأحكام، والمعاملات، وعلاقات الأمم والشعوب، في السلم والحرب، وسياسة الحكم، وإقامة العدل، والعدالة الإجتماعية، والتضامن الإجتماعي، وكل ما يتصل ببناء المجتمع، ورسم شخصية المسلم الكامل خُلقا وأدبا وعلما، ولقد جاء القرآن العظيم بتشريعات عادلة، احتوت أحكاما كلية، ومبادئ عامة، في كل فروع التشريع، وإن القرآن العظيم بحق هو منهاج كامل وشامل، فقد جاء بكليات الشريعة والأصول، في العبادات، والمعاملات. 

والأسرة، والميراث، والجنايات، والحدود، وأنظمة الحكم، وفي النظام الأخلاقي دعا إلى خلوص النية، والتمسك بقيم الخير والحق، والتزام الآداب الفردية والجماعية، التي تسير بالإنسانية إلى الكمال والتقدم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى