الدكروري يكتب عن: الأمانة التي فقدناها

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، ثم أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوي الله وبتأدية الأمانه، فإنها الأمانة التي جعلت ابن المبارك العالم الجليل يعود من مدينة مرو في خراسان إلى الشام ليرد قلما استعاره من صاحبه، ومكث في هذه الرحلة شهرا كاملا، ذلك أنه بأداء الأمانة يأمن الناس بعضهم بعضا، وتتيسر أمورهم في قضاء حوائجهم وإنجاز معاملاتهم، وتحفظ حقوقهم، وتصان الأموال والأعراض، وينتشر الخير ويدوم المعروف، فينبغي علينا لنبحث عن الأمانة التي فقدناها، ونزكي بها أنفسنا.
ونؤديها كما أمرنا ديننا ونحييها في قلوبنا وسلوكياتنا، ونربي عليها أبنائنا، وننصح بها بعضنا، ولنحذر من الخيانة فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خائن الأمانة سوف يعذب بسببها في النار، وتكون عليه خزيا وندامة يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم “لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة” رواه البخاري، وإن الأمانة ضد الخيانة وهي صفة جميلة، حث عليها الدين وأمر بها والإنسان الأمين محبوب عند الله وعندالناس، ولقد أوجب الله علينا الأمانة ولقّب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالأمين وهو قدوتنا في حفظ الأمانة والتخلق بها والأمانة أن نصون حواسنا من الحرام وأن لا نعتدي على حقوق الآخرين بأن نحفظ الودائع والأمانات كالأموال وغيرها ولنتذكر دائما أن من لا أمانة له لا إيمان له وأن الأمانة والرحم يقفان يوم القيامة على جنبتي الصراط يمينا وشمالا.
لعظم أمرهما وكبر موقعهما، وليطالبا من يريد الجواز بحقهما، ولقد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها وذم الخيانة وحذر منها في نصوص كثيرة منها قول الحق سبحانه وتعالى ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها” وذكر ابن كثير رحمه الله أنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرهما وحقوق العباد كالودائع وغيرها والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة بل تتوج بها عباد الله الصالحين حتى وصفهم الله بها فقال تعالى ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” والتفت إلى هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة، في قول الحبيب ” لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ” وقال صلى الله عليه وسلم في الأمر برد الأمانة ” أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ”
وقال صلى الله عليه وسلم في ذم الخيانة ” آية المنافق ثلاث إذاحدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ” وإن من أنواع الأمانة هي الأمانة العظمى وهي الدين والتمسك به، وتبليغ هذا الدين أمانة أيضا فالرسل أمناء الله علىوحيه قال صلى الله عليه وسلم ” ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ” وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين، وكل ما يأتي من أنواع يمكن دخولها في هذا النوع، وكل ما أعطانا الله من نعمة فهي أمانة لدينا يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منا المؤتمن وهو الله جل وعلا، فالبصر أمانة والسمع أمانة، واليد أمانة والرجل أمانة واللسان أمانة والمال أمانة أيضا فلا ينفق إلا فيما يرضي الله تعالي.