قدوم سفينة الحج .. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد اعلموا جيدا أننا نقف جميعا على شاطئ رملي، نرقب وبلهف قدوم سفينة الحج، فالكل قد هيأ نفسه للدخول داخل السفينة والركوب فيها لأنها لا تغرق، ولكي لا نغرق علينا أن نتمثل فعل الرعيل الأول، الذي انتصر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يوم صنعهم، صور حية من الإيمان، يوم صاغ من كل واحد منهم قرآنا حيا يدب على الأرض، ونموذجا مجسما للإسلام، يراه الناس فيرون الإسلام، فالمصحف وحده لا يعمل حتى يكون رجلا، والمبادئ لا تعيش حتى تكون سلوكا يتبع، والحج لا يرفع له شراع.

ولا يقدر على شق عباب الفضاء إلى رافع السماء، إلا إذا كان خالصا لرب العالمين، سليما من آية شائبة، فتتوالى علينا مواسم الخير والبركة، لنتزود فيها من الأعمال الصالحة ما يكون طمأنينة ليومنا، وذخرا لغدنا، وخلال أيام سوف نستقبل عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام العام، والعمل الصالح فيها أفضل منه في سائر أيام العام لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ما من عمل أَزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى” قيل ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” فبمقتضى هذا الحديث، ألا عمل صالح يعمله الإنسان من صلاة وقراءة، وذكر ودعاء، وصدقة وبر، وصلة وإحسان، فهو أفضل من مثيله في سائر العام. 

حتى كان العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى الذي هو أفضل الأعمال، وأمهات الأعمال الصالحة تجتمع فيها إذ هي موسم الحج، وهو ركن الإسلام الخامس، ويشرع صيامها، ولا سيما صيام يوم عرفه إذ يكفر سنتين الماضية والباقية، ولنعلم أن الحج وحدة من وحدات الإسلام، وصورة ناصعة من صور الاتحاد، توحي بأن ديننا جزء لا يتجزأ، ولا يقبل التجزؤ فهو ينادي أحبته بأن يجتمعوا ولا يتفرقوا، ويتفقوا ولا يختلفوا، وليحذروا أي طريق يسلك بهم إلى التنازع فإن عدوهم لهم بالمرصاد، يهزأ بهم، ويسخر من صنعهم حينما يراهم شيعا وأحزابا، ولتكن قلوبنا كما هي في يوم الموقف في عرفات، وليكن قولنا واحدا كما هو شعارنا في حجنا لبيك اللهم لبيك وليكن هدفنا واحدا كما هو في حجنا ابتغاء لوجه الله والدار الآخرة، فلا نشتغل بطرد الذباب.

والعدو قد انطلق من عرينه وله زئير يهز القلوب هزا، فإن الحج هو القصد، فليس القصد الضيق المعاين فحسب، لا بل هو أن نربط الأفئدة، وندرب الألسنة على كلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو إبعاد شبح الخلافات بيننا حتى لا يتحول جدال الألسن إلى قرقعة السنان بيننا، في كل عام يدعونا ربنا لتزكية نفوسنا، ونبذ ما في نفوسنا من شحناء وبغضاء، والإقبال على الحياة من جديد، وبروح ملؤها المحبة والعطف والتسامح والإنسانية، وقبل ذلك شرع لنا حدودا نقف عندها، لا لنغسل الأدران المادية فقط، بل والمعنوية أيضا، فمن تلك الحدود لا رفث، ولا فسوق، ولا جدال، نعم، مرحلة تأهيلية يخوضها الحاج خلال أشهر الحج ليست لتلك الفترة فقط بل ليعمل بها إذا عاد إلى بلده ومع إخوته والناس أجمعين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى