الدكروري يكتب عن: الأزواج والذرية

 

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، ثم أما بعد اعلموا يرحمكم الله إن الأولاد من أعظم نعم الله تعالي على عباده التي تلتقي مع فطرهم وغرائزهم ولهذا ذكر الله من مننه على خيار خلقه الأزواج والذرية، وكما أن النفس البشرية جبلت على حب الأولاد والذرية الصالحة، وكما ان الأبناء ذخر لآبائهم ورفع لدرجاتهم في الآخرة، إذا أحسن الآباء تربيتهم، ولقد اشتد حرص السلف على مباشرة هذه المهمة الجسيمة، حتى أن المنصور بعث إلى من في الحبس من بني أمية، يقول لهم ما أشد ما مر بكم في هذا المحبس؟ فقالوا ما فقدنا من تربية أولادنا.

فالأولاد أمانة عند الوالدين كلفهم الله تعالي بحفظها ورعايتها وهم أولى الناس بالبر وأحقهم بالمعروف، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم فأنت قائم بالحق مأجور عليه، فكذلك بل أعظم منه إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة والتوجيه للأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها، وكما إن مهمة تربية الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب، فعلى الآباء أن يستشعروا أهمية هذه التربية المنوطة بهم وأنه من الإساءة للأبناء والإخلال بالأمانة التي استودعها الله لهم أن يتركوهم بدون تربية وتوجيه.

وللأسف الشديد أنه قد تحول كثير من الآباء في هذا الزمان إلى مجرد وزارة مالية وصارت المهمة تربية أبدان فارغة من العقول؟ وتحولت بعض أو كثير من بيوتنا من محضن تربوي إلى مجرد معلف أو لوكاندة أو فندق للنوم وفقط؟ وهل يُعقل أن أب يمر عليه أسابيع لا يرى أبناءه أو بعضهم؟ فهذا الأب الذي يغيب عن حياة أبنائه ولا يجلس معهم إلا منهكا آخر الليل أمام الشاشة ليشاهد فيلما أو مسلسلا ولا يتكلم معهم في أي شيء يخصهم، في أي خانة يوضع؟ أليس أمثال هؤلاء قد قدموا إستقالة جماعية عن تربية أبناءهم ورعايتهم، وهنا أعني التربية فمفهومها الصحيح والرعاية بمعناها الشامل، ألا يمكن أن يُعد أبناء أمثالهم في عداد الأيتام وهنا أعني تربويا فإن بعض الآباء حي لكنه كالميت، أبناؤه أيتام في حياة أبيهم.

فمن الظلم إذا كان هذا حال المربين أن نسخط على أبنائنا لسوء خلقهم أو كثرة أخطائهم، أو قبح فعالهم، وما أجمل ما قال أحدهم إن الأب الذي أهدى الدش إلى أبنائه إنما هو الذي أهدى أبناءه إلى الدش ليربيهم ويوجههم وفق ما يريد، وهو بارع في تلقينهم فنون العشق والغرام، فينشأون وقد تحطمت فيهم مبادئ الخلق والعفة والفضيلة، وإن من أثر إهمال تربية الأولاد على الولد وعلى المجتمع هو ظهور أجيال ليس لها أي أهداف ولا غايات، وضياع الأصول والمبادئ والقيم في مجتمعاتنا، وانتشار الفواحش والأمراض الأخلاقية في المجتمع، وظهور العقوق والتفكك الأسري وعقوق الوالدين، وانحطاط الأمة الإسلامية وذلها لأعداء الدين، فالأمة بشبابها بعد إيمانها بربها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى