مصطفى أحمد يكتب

على هامش نظريات نشأة اللغة

 

 

 

” بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، فالرأي الشخصي في نظريات نشأة اللغة هو الدمج بين نظرتي الوحي والإلهام ونظرية المواضعة ؛ بمعنى أن نقول : أن الله عز وجل قد ألهم الإنسان ملكة اللغة وأوحى إليه طرق التسمية وفطر فيه سجية التعريف والتقعيد ومن ثم استطاع الإنسان أن يسلك سبيل الإبتكار المقرون بالإحتياج والمواضعة المقرونة بالضرورة والإصطلاح المتفق عليه بين أرباب العلم وأحبار اللغة المشهود لهم بالكفاءة والمشار إليهم بالبنان والموكل إليهم أمر اللغة على خصوصه والمعرفة والثقافة والعلم على عمومه ، ومن ثم أيضا نخرج من إشكال التضاد الأزلي الواقع بين هاتين النظرتين على مر العصور ، فتكون الثانية في نظري وهي ( المواضعة ) مكملة للأولى وداعمة لها ، وتكون الأولى في نظري وهي ( الوحي والإلهام ) أساس للأخرى وقاعدة لها ، والإستدلال المنطقي المجرد على كلتا النظرتين ؛ أن اللغة كائن حي ومخلوق موجود بوجود الإنسان فليس من المنطقي ولا من المعقول أن يكون الإنسان هو الذي أوجدها وخلقها من الأصل فلا يتأتى لمخلوق أن يخلق أو يبتدع أو يبتكر شيء إلا من فرعه ، وفي الوقت ذاته ليس من المستساغ بعقله وإدراكه المحدود أن الله قد أوحى إلى الإنسان وأوقف عليه كل لفظة يلفظها بما في ذلك الألفاظ البذيئة والمسيئة والمنهي عنها ، لذلك أقول : إن صناعة اللغة فطرة من الله وإلهام وأن الله عز وجل قد طوعها للإنسان واختبره في استعمالها كما طوع له جوارحه إن شاء بها أطاع واستقام وإن شاء عصى واستهام ؛ سيان فهو مجزي إن كان خيرا فالثواب وإن كان شرا فالعقاب وليس له إلا ما سعى ،

ولو كانت اللغة كلها إلهام فلماذا جعل الله رقيبا وعتيدا على كل إنسان يسجلان ما يلفظ من قول ، ولماذا حذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من حصائد ألستنا ، ولو كانت اللغة اصطلاحا ومواضعة فمن أين أتى التنزيل الذي بنيت عليه نهضة اللغة العربية وعلومها وقواعدها وكيف تبلورت وارتقت بنزول القرآن ، وبِناءً على ما أسلفت ذكره بإيجاز شديد انتهيت إلى أن ملكة اللغة مخلوقة في الإنسان ومفطورة فيه ومُطوَّعةَ له كجوارحه وكسائر المخلوقات ليُختبر فيها ، ومصطلحاتها وقواعدها ما هي إلا اجتهاد ومواضعة واتفاق وترجيح ، فكما نتعلم في أساسات علم اللغة أن القانون الحاكم لها هو الإستخدام وأن أهم عوامل بقائها هو التطوير والتجديد لها على الدوام … ”

 

 

م . أ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى