الدكروري يكتب: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد إن البيت نعمة، حيث قال الله سبحانه وتعالى كما جاء في سورة النحل ” والله جعل لكم من بيوتكم سكنا” وقال الإمام ابن كثير رحمه الله ” يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها ويستترون وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع ” وماذا يمثل البيت لأحدنا ؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته ؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده ؟ أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها ؟ فقد قال الله تعالى في سورة الأحزاب ” وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ”
وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ أو على أرصفة الشوارع واللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة، عرفت نعمة البيت وإذا سمعت مضطربا يقول ليس لي مستقر ولا مكان ثابت، أنام أحيانا في بيت فلان وأحيانا في المقهى أو الحديقة أو على شاطئ البحر، ومستودع ثيابي في سيارتي، إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت، ولما انتقم الله تعالي من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشردهم من ديارهم فقال تعالى في سورة الحشر ” هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم لأول الحشر ” ثم قال ” يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ” والدافع عند المؤمن للإهتمام بإصلاح بيته عدة أمور أولا هو وقاية النفس والأهل نار جهنم والسلامة من عذاب الحريق حيث قال الله تعالي في سورة التحريم.
” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ” وثانيا هو عظم المسئولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ” وثالثا أنه المكان لحفظ النفس، والسلامة من الشرور وكفها عن الناس وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته ” وكما قال صلى الله عليه وسلم ” خمس من فعل واحد منهن كان على الله من عاد مريضا أو خرج غازيا أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس ”
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سلامة الرجل من الفتنة أن يلزم بيته ” ويستطيع المسلم أن يلمس فائدة هذا الأمر في حال الغربة عندما لا يستطيع لكثير من المنكرات تغييرا فيكون لديه ملجأ إذا دخل فيه يحمي نفسه من العمل المحرم والنظر المحرم ويحمي أهله من التبرج والسفور ويحمي أولاده من قرناء السوء، ورابعا هو أن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم وخصوصا في الحر الشديد والبرد الشديد والأمطار وأول النهار وآخره وعند الفراغ من العمل والدراسة ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات وإلا ستضيع في المحرمات، وخامسا وهو أهمها وهو أن الإهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته والبيوت أحياء والأحياء مجتمع.
فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعا قويا بأحكام الله تعالي، صامدا في وجه أعداء الله هز وجل يشع الخير ولا ينفذ إليه شر، فيخرج من البيت المسلم إلى المجتمع أركان الإصلاح فيه من الداعية القدوة وطالب العلم، والمجاهد الصادق والزوجة الصالحة والأم المربية وبقية المصلحين.