شهادة .. قصة قصيرة بقلم / محمد على عاشور

جلس الرجل المسن بجوار حفيدته صاحبةالعشر سنوات و التى أصيبت جراء قصف طائرة لما تبقى من بيتهم فى غزة .
رائحة الدم و الأدوية اعتادها الجميع .
خلية النحل تعمل فى كل مكان .
مصابون يدخلون محمولين على محافات او على الايدى
الأصوات متداخلة ، لا يميز الكلام الا من يوجه له أو من ينصت .
الرجل يحادث حفيدته و يقبلها من جبينها، و هى تخبره أنها بخير و تسحب يده و تقبلها .
ياتى مجموعة من المصابين بعد قصف حدث من مدة قصيرة .
خلية النحل لا تكل ولا تمل .
دار الرجل العجوز على المصابين يتفقدهم بنظره.
رأى شابا من المصابين الجدد بجواره طبيب يحاول إسعافه ،
كان الشأب كأن جسده لا يمسك بعضه بعضا .
إلا أن رأسه لم يصب بشىء.
جلس الرجل بجوار حفيدته و تعلقت عيناه بالشاب .
كان يجلس قليلا ثم يذهب ليتفقده ،
وجده يرفع أصبعه إلى السماء و يحرك شفتيه ، هرول ناحيته و جلس على ركبتيه بجواره و أخذ يردد الشهادة بالقرب من أذنه، و الشاب ينظر إليه و يبتسم ، فكاه يصطكان ببعضهما حتى أنه كان يسمع اصطدام أسنانه كأنها تروس فى آلة تطحن بعضها بعضا .
عين الشاب تفتح و تغلق و الرجل يكرر على مسامعه الشهادة و يقترب من أذنه أكثر حتى كاد فمه يدخل فى اذنه.
بصعوبة نطقها، و ابتسم ثم أغمض عينيه بهدوء.
نكس الرجل وجهه و هو يردد الشهادة أيضا.
استدار على جلبة و صوت امرأة تنادى على ابنها ، و رأها تهرول نحوه و معها بعض الشباب .
قال لها احتسبى ، لقد لقنته الشهادة .
و هى تقول بصوت هادئ : ماذا تقول ؟ لقنت من؟
: لقنت ولدك .
أعادت المرأة السؤال و هى تبتسم و الدموع تفيض من عينيها : لقنت ولدى؟
ثم تلثم وجهه ، وتمسح حاجبيه و شفتيه وكل ملامحه بأناملها.
:نعم ، لقنته.
يزداد وجهها ابتساما و هى تكرر :لقنت ولدى ماذا ؟!
: الشهادة.
لقنت ابنى الشهادة ؟
: نعم ، والله لقنته
يزيد وجه المرأة إشراقا و هى تكرر السؤال والرجل فى حيرة ، و يدور بعينه فى وجوه الشباب ..
اقترب منه شاب، و همس :لقد كان ابكما