الدكروري يكتب: رجل من الأعراب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، لقد روي عن شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلي الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزاة غنم النبي صلي الله عليه وسلم فقسم وقسم له أي لذلك الأعرابي فأعطى أصحابه ما قسم له, وكان هذا الأعرابي يرعى ظهرهم يعني إبلهم, وما يركبون من دواب, فلما جاء دفعوه إليه, فقال ما هذا؟ قالوا قسم قسمه لك النبي صلي الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال ما هذا؟ قال صلي الله عليه وسلم ” قسمته لك ”
فقال الأعرابي ما على هذا اتبعتك, ولكن اتبعتك على أن أرمى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة, فقال النبي صلي الله عليه وسلم ” إن تصدق الله يصدقك ” فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتي به النبي صلي الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلي الله عليه وسلم ” أهو هو؟ قالوا نعم, قال صلي الله عليه وسلم ” صدق الله فصدقه ” ثم كفنه النبي صلي الله عليه وسلم في جبته, ثم قدمه وصلى عليه، وفي المسند مرفوعا قال صلي الله عليه وسلم ” الشهداء على بارق نهر باب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية ” رواه أحمد، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيليهما في براح من الأرض والبراح أي البيداء.
وفي يده كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها ” رواه أحمد، وفي المستدرك وعند النسائي مرفوعا قال صلي الله عليه وسلم ” لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر” وفيهماأيضا قال صلي الله عليه وسلم ” ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة ” وهذا هو الصحابي الجليل صهيب صاحب المال الوفير في مكة ضحى بماله من أجل الهجرة ورفع راية الإسلام، فعن صهيب قال ” لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش يا صهيب، قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك، والله لا يكون ذلك أبدا، فقلت لهم أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا نعم، فدفعت إليهم مالي، فخلوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” ربح صهيب، ربح صهيب” مرتين.
فأنزل الله تعالى فيه قوله عز وجل فى سورة البقرة ” ومن الناس من يشؤى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ” وقد كان لكثير من أصحابه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم صفحات طويلة من البذل والتضحيات، فهذا هو الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه، يعرّض نفسه للهلاك، ويضحي بحياته بنومه في فراش النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عشية الهجرة، ويرمي البراء نفسه بين الأعداء في حديقة الموت فيفتح الله للمسلمين بسببه، ويُعرض أبو الدرداء عن التجارة تفرغا لمجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقبل خالد بن الوليد التنازل عن منصبه طاعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما أمره بتسليم القياده إلى أبو عبيده عامر بن الجراح
ويتنازل أبو عبيدة عن إمرة الجيش لعمرو بن العاص جمعا لكلمة المسلمين، ويرفض الحسن بن علي رضى الله عنهم أجمعين الخلافة درءا للفتنة وجمعا للكلمة، ويقبّل عامر بن عبدالله رأس زعيم الروم المشرك ليعتق له أسرى المسلمين.