الدكروري يكتب: رسول الله يؤسس دولته الإسلامية

 

الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد لقد أسس رسول الله صلي الله عليه وسلم دولته الإسلامية الجديدة علي ثلاثة أساسيات وكان أولها المسجد حيث إن المسجد في عهد سلفنا الصالح كان ملاذا لهم، إذا ضاقت بهم الهموم واشتبكت الغموم أتوه وانطرحوا بين يدي ربهم، فتنفرج لهم الدنيا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي على بلال فيقول ” يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها ” وكما أن المسجد في عهد سلفنا الصالح كان منارة هدى ومعهد تعليم ومدرسة تربية، لكم تعلم فيه الجاهل، واتعظ فيه الغافل، واسترشد فيه الضال، واهتدى فيه المنحرف، وكما أن المسجد في عهد سلفنا الصالح.

كان مكانا لإطعام الجائع ومواساة الفقير، فإن أهل الصفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كانوا؟ فكانوا في المسجد، وكما أن المسجد في عهد سلفنا الصالح كان يضج بالبكاء، وتتعالى فيه أصوات التكبير والتسبيح والثناء والألسنة الصادقة بالدعاء، فما أن يدخله الداخل حتى يزداد إيمانه، ويشتد في الحق بنيانه، وكما أن المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مدرسة الأجيال وملتقى الأبطال، خرج من بين جنباته المفسر للقرآن العالم به والمحدث والفقيه والخطيب والمجاهد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت رحاب المساجد آنذاك قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ وأصبحت سيرتهم غُرّة في جبين الزمن وأنموذجا لم تعرف البشرية مثله، ولكم أن تسألوا وما هي تلك المساجد العظيمة.

التي أخرجت هؤلاء العظماء؟ إنها مساجد بنيت من الجريد وسعف النخيل، إنها مساجد بنيت من الطين، قد تجد فيها سراجا ضعيفا وقد لا تجده، إنها مساجد لم تكن مكيفة ولا منمقة ولا مزخرفة لا، لكن أخرجت أولئك العظماء لأن العبرة بأهل الدار وليس بالدار، فهل من نظرة بعين العبرة لحال مساجدنا ومساجدهم، ما عرف التاريخ في مساجد فيها وسائل الراحة كمساجد الناس اليوم، ولكن أين الخريجون منها؟ وأما عن الأساس الثاني فهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حيث إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فآخى بينهم على الحق والمواساة، وعلى أن يتوارثوا بينهم بعد الممات، بحيث يكون أثر الأخوة الإسلامية في ذلك أقوى من أثر قرابة الرحم، وروى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال.

“كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، ثم نسخ بقوله تعالي كما جاء في سورة الأنفال ” وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض ” ومن أروع الأمثلة في المؤاخاة ما كان بين عبدالرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قدم عبدالرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبدالرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك، دلنى على السوق، فخرج إلى السوق وتاجر حتى أصبح من أغنى أغنياء المدينة، ويقول عبدالرحمن بن عوف فلقد رأيتنى ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا وفضة” فقد ضرب لنا سعد بن الربيع رضي الله عنه أروع الأمثلة في الإيثار والمواساة.

وضرب لنا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أروع الأمثلة في العفة والخروج إلى سوق العمل والإنتاج من أجل بناء الوطن وهذا تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم “ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله” رواه البخاري ومسلم، وفيما فعله المهاجرون والأنصار نزلت العديد من الآيات تثني على سلوكهم في الإخاء والتعاون والتشارك في بناء الوطن، ولقد ساهمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في بناء الأوطان وتقوية المجتمع المسلم الجديد في المدينة، وبتحقيقها ذابت العصبية وأشاعت في المجتمع عواطف ومشاعر الحب وملأته بأروع الأمثلة من الأخوة والعطاء والتناصح والتعاون في بناء الأوطان، فما أحوج الأمة الإسلامية في هذه المرحلة إلى مثل هذه المعاني السامية والقيم النبيلة من أجل بناء وطننا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى