محمد الدكروري يكتب/ المعاهدات بين المسلمين وغيرهم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد لقد أسس رسول الله صلي الله عليه وسلم دولته الإسلامية الجديدة علي ثلاثة أساسيات وكان أولها المسجد وثانيها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وأما عن الأساس الثالث فهو المعاهدات بين المسلمين وغيرهم، وتتمثل في صلة الأمة بالأجانب عنها والذين لا يدينون بدينها فعقد صلى الله عليه وسلم معهم معاهدة أقرهم فيها على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم وكانت من أهم شروط هذا الإتفاق والمعاهدة المبرمة معهم.

هو الأخوة في السلم والدفاع عن المدينة وقت الحرب والتعاون التام بين الفريقين إذا نزلت شدة بأحدهما أو كليهما ولكن اليهود أخلوا بهذه الشروط ولم يحافظوا على الوفاء بعهدهم مما اضطر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى محاربتهم وإجلائهم عن المدينة لتكون بعدها نظيفة منهم ومن أعمالهم العدوانية تجاه المسلمين القائمين بالمدينة، ولكن رب سائل يسأل ويقول لماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث مع أن في الإسلام أسسا غيرها كثيرة؟ والجواب أن هذه الأسس الثلاث هي أساس بناء الأوطان وربط للصلة من جوانبها الثلاثة فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسلم والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم.

فإذا كانت علاقة المسلم بربه قوية وإيمانه عميق وذلك من خلال المسجد وكانت علاقة المسلم بأخيه المسلم قائمة على التعاون والإيثار والمحبة والتشارك وكانت علاقة المسلم بغير المسلم قائمة على التعايش السلمي والتسامح فلا شك أننا نبني وطنا قويا متماسك الأركان والبنيان يشد بعضه بعضا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ولهذه الأسباب كان تركيز النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاثة في بناء الدولة الإسلامية، واعلموا يرحمكم الله إن بناء الأوطان والقضاء على الفساد والإرهاب يتمثل في وسائل كثيرة منها فرض عقوبات رادعة للإرهابيين والمفسدين، وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل من تسوّل له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوع من أنواع الفساد بكل صوره.

وليس الهدف التشفي أو الانتقام من المفسد أو من يقوم بعملية الإرهاب لذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، وهنا يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله إن إقامة الحد من العبادات كالجهاد في سبيل الله فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده فيكون الوالي شديدا في إقامة الحد، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا شفاء غيظه وإرادة العلو على الخلق بمنزلة الوالد إذا أدب ولده فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تشير به الأم رقة ورأفة لفسد الولد وإنما يؤدبه رحمة به وإصلاحا لحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه وبمنزلة قطع العضو المتآكل والحجم وقطع العروق بالفساد ونحو ذلك.

بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة فهكذا شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها فإنه متى كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات بجلب المنفعة لهم ودفع المضرة عنهم وابتغى بذلك وجه الله تعالى وطاعة أمره ألان الله له القلوب وتيسرت له أسباب الخير وكفاه العقوبة البشرية وقد يرضى المحدود إذا أقام عليه الحد، وأما إذا كان غرضه العلو عليهم وإقامة رياسته ليعظموه أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال، انعكس عليه مقصوده، ولهذا قال عثمان بن عفان رضي الله عنه إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أي يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن

ونهي القرآن لكن متى علموا أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدعوا، وخافوا من عقوبة السلطان لئلا يفتنهم، أو يضربهم، أو ينفيهم من البلاد، فهم يخافون ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى