حملة لإحياء الضمير .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله بما أسدى والشكر له ما تنسمت علي الخلائق جدواء، فأي آلاء الله أحق أن تُشكر؟ أجميل أظهره؟ أم قبيح ستره وما أبدى؟ ولم تزل آلاء ربك تتوالى، ما منّ ربك عطائه، وما أكدي وما أكدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إعلموا جميعا أن الأمم لا تتقدم وترتقي بكثرة القوانين واللوائح والقرارات، إنما ترتقي برقيّ الضمائر، فيؤتى بتاج كسرى إلى عمر رضي الله عنه، فيقول إن جيشا أدى هذه الغنيمة لأمين، فرد عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه عدلت فعدلوا، ولو رتعت لرتعوا، وإن بعض الناس ماتت ضمائرهم، والبعض نامت ضمائرهم، وآخرون تعفنت ضمائرهم، وهناك مَن باع ضميره.
ونحن نرى أصنافا من هؤلاء اليوم، نرى المسؤول الذي باع، والإعلامي الذي باع، والقاضي والعالِم والموظف والمعلم الذي باع ضميره واشترى به ثمنا بخسا، فعلينا أن نتأمل في ضمير نبي الله يوسف عليه السلام، يوم أن أغلقت امرأة العزيز الباب، ودعته إلى نفسها، كما أورد القرطبي في التفسير، فقالت له يا يوسف، ما أحسن صورة وجهك، قال في الرحم صوّرني ربي، قالت يا يوسف، ما أحسن شعرك قال هو أول شيء يبلى مني في قبري، قالت يا يوسف، ما أحسن عينيك، قال بهما أنظر إلى ربي، قالت يا يوسف، ارفع بصرك فانظر في وجهي، قال إني أخاف العمى في آخرتي، قالت يا يوسف، أدنو منك وتتباعد مني؟ قال أريد بذلك القرب من ربي، قالت يا يوسف، القيطون فرشته لك فادخل معي، قال القيطون لا يسترني من ربي، قالت يا يوسف.
فراش الحرير قد فرشته لك، قم فاقضي حاجتي، قال إذن يذهب من الجنة نصيبي، فقال الله تعالى عن يوسف عليه السلام ” قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون” وإنظروا إلي هذا الحدث فتقول عبدة بنت أبي شوال، دخل لص دار رابعة العدوية ذات ليلة وهي نائمة فحمل درعها أي ثوبها وطلب الباب فلم يجده، فوضع الثوب وطلب الباب فوجده، فأسرع واختطف الثوب وهم بالفرار ولكنه لم يجد الباب، فأعاد ذلك مرارا كثيرة فهتف به هاتف، إذا كان المحب نائما فإن المحبوب يقظان، ضع الثوب واخرج من الباب، فإنا نحفظها ولا ندعها لك وإن كانت نائمة، فوضع اللص الثوب فشعرت بحركة في الحجرة فهتفت من هذا فاستيقظت رابعة فلما رأت اللص قالت يا هذا لا تخرج قبل أن تأخذ شيئا، فتعجب اللص من قولها وقال ليس في الحجرة غير هذا الإبريق فماذا أفعل به؟
فقالت رابعة أخرج إلى صحن الدار بهذا الإبريق وتوضأ منه وصل ركعتين سوف تخرج بشيء، فكانت لحظة إيمانية في حياة اللص، فوجد في صدره استجابة لما أمرته به رابعة فأخذ اللص الإبريق وتوضأ منه ثم وقف يصلي، فتقول عبدة بنت أبي شوال فلما رأيته على هذه الحال أدركت أن رحمة الله عز وجل غمرته بالتوبة، فرفعت رابعة العدوية يديها إلى السماء وقالت سيدي ومولاي هذا قد أتى بابي ولم يجد شيئا عندي وقد أوقفته ببابك، فلا تحرمه فضل ثوابك، فتقول عبدة رحت اختلس النظر إلى اللص، وماذا كان أثر الصلاة في نفسه، ولشدة ما سرني أن رأيت اللص قد اندمج في الصلاة حتى مطلع الفجر، فإنه لا شيء يحول بين العبد وربه، فإن حانت لحظة توبته وهدايته، تلفت القلب إلى نور الرب ليجده في كل مكان، يغمره بالمحبة والحنان.
ورابعة العدوية الصوفية هي نموذج للمرأة التي جاءت إلى ربها، بعد يأس فوجدت ما عنده من كرم ورحمة، أكبر من أن يسعه شيء، تابت إليه بعد سنوات تيه طويلة وقاسية لم تدرك فيها معنى الحب الحقيقي، ولا الأمان ولا الطمأنينة بل عاشت في عالم من الزيف والاغتراب عن الله وعن ذاتها، فكانت أن قادتها خطى الأقدار المسطرة إلى طريق الهداية، لتبدأ صفحة جديدة مع الحياة عانقت فيها الأنوار، فعاشت زاهدة ناسكة متبتلة في محراب حب الله تعالى، زاجرة النفس عن الهوى مقومة لها حتى تسير في الطريق المستقيم، فما أحوجنا إلى إيقاظ الضمير؟ وما أحوجنا إلى إحياء الضمير؟ وما أحوجنا إلى تنبيه الضمير؟ ليعود بالمسلم إلى حياته عاملا فاعلا متواصلا مثمرا مجتهدا، فإن الضمير الحي هو ما تحتاجه الأمة من أبنائها فهلمّوا إلى حملة إحياء الضمير لنعيد للأمة حاضرها.
ونمتلك زمام المستقبل، فاللهم إنا نسألك الاخلاص فى القول والعمل، وهكذا فإن من أهم المهمات في حياة كل مسلم هو أن يهتم بإصلاح قلبه، والعناية بنفسه حتى يقدم على ربه عز وجل، بقلب سليم وعمل صالح رشيد، لاسيما ونحن نعيش زمانا قد كثرت فيه الفتن، وتعددت فيه الشبهات والشهوات، لأن القلب هو محرك الجوارح وموجهها، وهو أكثر الجوارح تأثرا.