الإنطلاقة لبناء الدولة الإسلامية .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد إنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطط لهجرتة الشريفة فقد علم أن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار هو طريق المدينة المتجه شمالا، فقد سلك الطريق الذي يضاده وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور، وانطلق المشركون في آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، يرصدون الطرق، ويفتشون في جبال مكة، حتى وصلوا غار ثور، وأنصت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى أقدام المشركين وكلامهم يقول أبو بكر رضي الله عنه ” قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار” لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما” ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ثلاث ليالي حتى انقطع عنهم الطلب، ثم خرجا من الغار ليلة غرة ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من البعثة، تحفهما رعاية الله، وعلى الجانب الآخر لم يهدأ كفار قريش في البحث وتحريض أهل مكة للقبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أو قتلهما، ورصدوا مكافأة لمن ينجح في ذلك مائة ناقة، وقد إستطاع أحد المشركين أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد، فانطلق مسرعا إلى سراقة بن مالك وقال له “يا سراقة، إني قد رأيت أناسا بالساحل، وإني لأظنهم محمدا وأصحابه” فعرف سراقة أنهم هم، فأخذ فرسه ورمحه وانطلق مسرعا، فلما دنا منهم عثرت به فرسه حتى سقط، وعاد مرة أخرى وامتطى فرسه وانطلق فسقط مرة ثانية.
لكن رغبته في الفوز بالجائزة أنسته مخاوفه، فحاول مرة أخرى فغاصت قدما فرسه في الأرض إلى الركبتين، فعلم أنهم محفوظون بحفظ الله، فطلب منهم الأمان وعاهدهم أن يخفي عنهم، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم ووعده بسواري كسرى، وأوفى سراقة بوعده فكان لا يلقى أحدا يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أمره بالرجوع، وكتم خبرهم، وفي طريقهم إلى المدينة نزل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بخيمة أم معبد، فسألاها إن كان عندها شيء من طعام ونحوه، فاعتذرت بعدم وجود شيء سوى شاة هزيلة لا تدرّ اللبن، فأخذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الشاة فمسح ضرعها بيده ودعا الله أن يبارك فيها، ثم حلب في إناء وشرب منه الجميع، ولقد كانت الهجرة النبوية الشريفة.
من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة لبناء دولة الإسلام، وإعزازا لدين الله تعالى، وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين، ولذا فإن دروس الهجرة الشريفة مستمرة لا تنتهي ولا ينقطع أثرها، وتتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل، ومن هذه الدروس هو عظم دور المرأة المسلمة في الهجرة فقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة فهذه السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة، وهذه أختها السيدة أسماء ذات النطاقين، التي ساهمت في تموين الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله، كما روى ابن إسحاق وابن كثير في السيرة النبوية أنها قالت “لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا “أين أبوك يا بنت أبي بكر؟” قالت قلت “لا أدري والله أين أبي؟” قالت “فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي” قالت ثم انصرفوا” فهذا درس تتعلمه نساء المسلمين جيلا بعد جيل يتجلى من خلال الدور الذي قامت به السيدة عائشة وأختها السيدة أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سر الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزا كاملا إلى غير ذلك مما قامتا به.