خلق الإنسان علمه البيان .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد لقد اختص الله سبحانه وتعالي الإنسان بالإكرام، وامتن عليه بنعمة البيان، فقال تعالي “الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان” وفي سورة البلد يبين الله تبارك وتعالى جملة من نعمه على ابن آدم فيقول وهو أصدق القائلين “ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين” وقال أبو حامد رحمه الله اعلم أن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير الجرم، عظيم الإحسان أو الجُرم وصدق.
فباللسان يوحد الله، وبه يصلى على النبي صلي الله عليه وسلم، وبه تبايع الحكام، ويتبايع الأنام، وتتم العقود، ويحكم القضاة، وتستحل الفروج، حيث قال الله تعالي عن النساء ” إنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ” ولأهمية هذا الأمر تكاثرت الأدلة من الكتاب والسنة على أهمية ضبط الكلام ووجوب العناية باللسان، بل جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك أهم الأمور فقال لما سأله معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال ” وهل يكب الناس في النار علي وجوههم أو قال علي مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ” وقال الإمام ابن رجب رحمه الله هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحسبه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمَه وضبطه، والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته.
فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا حصد الكرامة ومن زرع شرا حصد الندامة، ولأجل ذلك اشتد فرق الصالحين وخوفهم من تلك الحصائد، فحزموا أمرهم، وخزنوا ألسنتهم وألجموا أفواههم، وكانوا مع ذلك يحاسبون أنفسهم ويتهمون عملهم ويستغفرون مولاهم، وقيل أنه دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإذا بأبي بكر يجبذ لسانه فقال عمر مه غفر الله لك، فقال أبو بكر هذا الذي أوردني الموارد، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، أشد حصائد الألسنة ضررا وخطرا ما كان من سيء الكلام ذا تعلق بالله وآياته ورسوله فإن القليل منه كثير.
واليسير فيه عند الله كبير، ولهذا غضب الله تعالى على نفر استهزأوا بالنبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، وقال عبدالله بن الإمام أحمد سمع أبي رجلا يقول ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال، قال فارتعد أبي، واصفر لونه، ولزم يدي، وأمسكته حتى سكن، ثم قال قف بنا على هذا المتخرص، فلما حاذاه قال يا هذا رسول الله أغير على ربه عز وجل منك، قل كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وأسأل الله لنا ولكم التوفيق إلى صادق القول وصالح العمل وخالص النية وكفانا وإياكم شر النفاق وسوء الأخلاق وجعلنا ممن يراقب الله في السر والعلن وفي القول والعمل، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.