الإسراف في الوضوء .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد، لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الوضوء، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدى، وظلم” رواه النسائي، فالماء نعمة عظمى، وهبة ومنحة كبرى، ورسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم ضرب للأمة أروعَ الأمثلة في المحافظة على هذه النعمة.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد” رواه مسلم، وإن الإنسان المعاصر يسرف في الماء إسرافا لا حدود له وقد وصل إستهلاكه للماء إلى أرقام من الإسراف مخيفة، وبخاصة ما يصرف في الإستحمام والمراحيض والسباحة، وسقي الحدائق وأمثالها، والمستعمل في الشرب والطهي لا يتجاوز نسبة اثنين بالمائة، وإن الله سبحانه وتعالى قد وعدنا الله بالمزيد إن شكرنا نعمة الماء، وبالعذاب إن قصرنا وكفرنا بها وأسرفنا في استخدامها حيث قال تعالي ” وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ” فالماء نعمة فإذا استخدمته في طاعة وحافظت عليه فقد شكرت النعمة وأديت حقها فبذلك تنال الرحمة والمغفرة.
أما إذا استخدمته في معصية وأسرفت فيه فقد ظلمت نفسك وكفرت بالنعمة ولم تؤدي حقها فبذلك دخلت في دائرة الظلم والكفران، واعلموا أن المعاصي والذنوب وإرتكاب المحرمات لها أثرها السيئ في حجب النعم والبركات عامة ونعمة الماء خاصة وقد تضافرت نصوص القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة في ذلك، فتأملوا حكمة الله تعالى في حبس الغيث عن عباده، وابتلائهم بالقحط إذا منعوا الزكاة، وحرموا المساكين، كيف جوزوا على منع ما للمساكين قِبَلَهُم من القوت بمنع الله ماء القوت والرزق وحبسه عنهم فقال لهم بلسان الحال منعتم الحق فمُنعتم الغيث، فهلا استنزلتموه ببذل ما لله قبلكم؟ فمدار إمساك المطر وحجبه أو إنزاله وإدراره على المنع والعطاء من العبد نفسه وبكسبه لذلك كان الحسن البصري رحمه الله.
إذا رأى السحاب قال في هذه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وذنوبكم، وقال الله تعالى ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ” فالرزق المطر، وما توعدون به الجنة، وكلاهما في السماء، ومن أقوال السلف هو ما قاله مجاهد إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة أي القحط وأمسك المطر، وتقول هذا بشؤم معصية ابن آدم وقال عكرمة دواب الأرض وهوامها، حتي الخنافس والعقارب يقولون مُنعنا القطر بذنوب بني آدم، ولذلك كان المسلمون على تعاقب العصور والأزمان ينظرون إلى تأخر المطر وقحط السماء وجدب الأرض على أنه نوع من العقوبة الإلهية بسبب الذنوب والمعاصي والسيئات فيبادرون إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل.
فقد خرج أهل دمشق يستسقون وفيهم بلال بن سعد فقام فقال يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة ؟ قالوا نعم، قال اللهم إنك قلت “ما على المحسنين من سبيل” وقد أقررنا بالإساءة فاعفو عنا واسقنا، فسُقي الناس يومئذ بإذن الله تعالي.