جبر الخاطر في شريعة الإسلام .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد لقد أمرنا الإسلام بجبر الخواطر وحتى مع غير المسلمين جبر الخاطر مطلوب في شريعة الإسلام، كيف؟ فهذا عمر بن الخطاب كان يسير يوما في الطريق، فرأى رجلا يتسول، فقال له ما لك يا شيخ؟ فقال الرجل أنا يهودي كبرت سني، وشاب شعري، ورق عظمي، وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر والله ما أنصفناك نأخذ منك شابا، ثم نضيعك شيخا، والله لأعطينك من مال المسلمين، وأعطاه عمر رضي الله عنه من مال المسلمين، فإن الغني يرفه نفسه إلى أعلى درجة، إذا قدر على أن يسكن أفخر بيت، ويركب أجمل سيارة، ويقترن بأجمل امرأة، أن يكون له أعلى منصب، أن يصل لأعلى درجة من الترف والبذخ، ويعد نفسه ذكيا وشاطرا، وهو الفهيم الوحيد.
ولكن المؤمن بالعكس بقدر ما يعطي يعد نفسه ذكيا، بقدر ما يخفف عن الناس آلامها، بقدر ما يشيع الفضيلة والهدى والحق، تجد المؤمن الصادق ليس له هم إلا هما واحدا وهو يعطي، فيعطي من علمه، ويعطي من خبرته، ويعطي من ماله، يخفف آلام الآخرين، يصبّر الناس، يقنّعهم، يدلهم على الله عز وجل، والله تعالى خاطب نبي الله موسى عليه السلام، فقال له ” واصطنعتك لنفسي” أي أنت مصمم خصوصا لخدمة الخلق، فالناس يقلقون على الدين، ويقول لك الدين في خطر، وأعداء الدين كثر، وأعداء الدين أقوياء، وأعداء الدين خبثاء، ويتآمرون على الدين، وأهل الأرض كلهم هلاكهم كهلاك واحد، فيقول تعالي ” إن كانت إلا صيحة واحده فإذا هم خامدون” ويقول هشام بن عبدالله بن عكرمة رحمه الله.
جاء المطلب بن عبدالله بن حنطب المخزومي إلى أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث يسأله في غرم أي دين ألمّ به، فلما جلس قال له أبو بكر “قد أعانك الله على غرمك بعشرين ألفا” فقال له من كان معه والله ما تركت الرجل يسألك، فقال “إذا سألني فقد أخذت منه أكثر مما أعطيته” وقيل أنه كان مؤرق العجلي رحمه الله يأتي بالصرة فيها الأربعمائة والخمسمائة، فيودعها إخوانه، ثم يلقاهم بعد، فيقول انتفعوا بها، فهي لكم، وكما قال عبيدالله بن محمد بن حفص رحمه الله قال أبي جاء رجل إلى يحيى بن طلحة بن عبيدالله، فقال له هب لي شيئا، قال يا غلام أعطه ما معك، فأعطاه عشرين ألفا، فأخذها ليحملها، فثقلت عليه، فقعد يبكي، فقال ما يبكيك لعلك استقللتها؟ فأزيدك؟ قال لا والله ما استقللتها.
ولكن بكيت على ما تأكل الأرض من كرمك، فقال له يحيى هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك، وقيل أنه بلغ عبدالله بن المقفع رحمه الله أن جارا له يبيع داره في دين ركبه، وكان يجلس في ظل دار هذا الجار، فقال ما قمت إذن بحرمة ظل داره إن باعها معدما أي محتاجا، فدفع إليه ثمن الدار، وقال لا تبعها” وقال عبدالله بن محمد الفروي رحمه الله اشترى عبدالله بن عامر بن كريز من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في السوق ليفتح بها بابه على السوق بثمانين أو تسعين ألفا، فلما كان من الليل سمع بكاء، فقال لأهله “ما لهؤلاء يبكون؟” قالوا على دارهم، قال “يا غلام، ايتهم وأعلمهم أن الدار والمال لهم”