محمـــد الدكـــروري يكتب/ الخوف من الله والإعتراف بالخطيئة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد إن الستر أمر محمود أمرنا به الإسلام ومع أن الأفضل للعاصي أن يستر على نفسه، وأن يتوب إلى الله تعالي من ذنوبه، ولا يذكر ذلك لأحد، إلا أن الخوف من الله جل جلاله بلغ في قلوب الصحابة رضي الله عنهم مبلغا عظيما، أدى بهم أن يطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطهرهم من ذنوبهم التي اقترفوها، ولو كان ثمن ذلك موتهم وإزهاق أرواحهم، فقد جاء ماعز رضي الله عنه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام واعترف مرارا بأنه زنا، وطلب أن يطهره، فرجموه حتى مات، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لماعز بن مالك لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه، ولم يرجع عن إقراره.
مع أن الطبع البشري يقتضي أنه لا يستمر على الإقرار بما يقتضي إزهاق روحه، فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها، وأقرّ من غير اضطرار إلى إقامة ذلك عليه بالشهادة، مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة، رضي الله عنه، وجاء في رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “لقد رأيته بين أنهار الجنة ينغمس” وفي رواية “قد غُفر له وأدخل الجنة” وكما جاء ماعز فقد جاءت الغامدية رضي الله عنها، واعترفت بالزنا، وطلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطهرها، وكانت حاملا من الزنا، فطلب منها الرسول علية الصلاة والسلام، أن تذهب حتى تضعه، فذهبت حتى وضعته، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ليطهرها، فأمرها أن تذهب وترضعه حتى تفطمه، ثم جاءته بعد أن فطمته، تطلب أن يطهرها.
فمرور الأيام لم يجعل الخوف من الله العظيم يزول من قلبها، عند ذاك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ترجم، فشدت عليها ثيابها، ورجمت حتى ماتت، رضي الله عنها، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه، فقيل له ما يبكيك؟ فقال “أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي” ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل، يخشى أن ينقلب عليه،
وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا” ولو نظر كل منا لنفسه وحاسبها، لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس، وروي أن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين كان إذا توضأ اصفر وتغير، فيقال مالك؟ فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا بل يدخل الواحد منا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فاللهم اجعل عيشنا رغدا، وصب علينا الرزق صبا، ولا تجعل عيشنا كدا كدا، يا رزاق يا كريم يا واسع الفضل، يا ذا الفضل العظيم أغث إخواننا المستضعفين.
يا رحمن يا رحيم، احمل حافيهم، واشف مرضيهم، وأبرئ جرحيهم، وارحم ميتهم، اللهم إنهم في هذا البرد في البلاء مما لا يعلمه إلا أنت فاكشف ما نزل بهم من ضر يا رحمن يا رحيم، عجل الفرج لأمة النبي محمد صلي الله عليه وسلم، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور.