والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم أما بعد إن من علامات خشية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خوف عبدالرحمن بن عوف رضي الله من كثرة ماله أن يهلكه، فعن أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها، قالت دخل عليها عبدالرحمن بن عوف، فقال يا أُمه، قد خفت أن يهلكني كثرة مالي أنا أكثر قريش مالا، قالت يا بني فأنفق” رواه أحمد، والصحابة رضي الله عنهم، إذا أذنبوا أحدث ذلك لهم قلقا في أنفسهم، وخوفا من الله جل جلاله في قلوبهم، جعلهم يقومون بالمبادرة إلى التوبة.
فعن أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب، فلم يدخل، فقالت أتوب إلى الله مما أذنبت، قال “ما هذه النمرقة؟ قلت لتجلس عليها، وتتوسدها، قال إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة” رواه البخاري، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في هذا الحديث دليل على فوائد، منها هو شدة إنابة السيدة عائشة رضي الله عنها لأنها عرفت أن الرسول علية الصلاة والسلام لم يمتنع من الدخول إلا لسبب، فقالت أتوب إلى الله مما أذنبت، وكما كان الصحابة يقومون بالمبادرة بالتوبة من حين أن يعلم الإنسان بالذنب، ولا يؤخر، وهذا كما هو مقتضى الشرع.
فهو أيضا مقتضى العقل لأن المعصية إذا استمر الإنسان عليها بعد أن علم أنها معصية، فإنما يزداد إثمًا وبعدا من الله عز وجل، وقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة” قالت السيدة عائشة رضي الله عنها هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال صلى الله عليه وسلم “لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات” رواه الترمذي، فهم أحرص الناس على طاعة ربهم، والمسارعة إلى رضاه، والبعد عن معصيته، والفرار من سخطه وغضبه، إلا أنهم يخافون من عدم قبول أعمالهم، وقال الحافظ بن حجر رحمه الله “إن الخوف من المقامات العلية وهو من لوازم الإيمان حيث قال تعالى
” وخافون إن كنتم مؤمنين” وكما قال تعالى ” فلا تخشوا الناس واخشون” وكما قال تعالي ” إنما يخشي الله من عباده العلماء” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ” وكلما كان العبد أقرب إلى ربه، كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله ” يخافون ربهم من فوقهم” وإنما كان خوف المقربين أشد لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم، فيراعون تلك المنزلة، ولقد كان خوف إمام المرسلين، وقدوة العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبرة للمسلمين جميعا كي يتعلموا منه، ويأخذوا حذرهم من الغفلة والإعراض عن الله، وهو من هو بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده، ما فيها موضع أربعة أصابع، إلا وملك واضع جبهته ساجد لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله” وقال أبو ذر الغفاري ” يا ليتني كنت شجرة تعضد” رواه أحمد.