الدكرورى يكتب/ من كان يريد ثواب الدنيا

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، إن بعض الناس يقولون إنهم يفعلون الخير إرضاء لله فقط وليس طلبا للثواب، ويدعون أن الهدف من أعمالهم ليس خوفهم من النار، وليس حبا في الجنة، ثم يدعون أن ذلك هو أسمى الإخلاص، ولقد أمر الله تعالي عباده بما أوحى به عز وجل إلى رسله، فأمرهم أن يعبدوه وأن يطيعوه وأرشدهم سبحانه وتعالى إلى كل بر، ونهاهم عن كل إثم، ورتب على ذلك الجزاء في الدنيا والآخرة، فوعد المؤمنين بالأجر العظيم والثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى كما جاء في سورة النساء ” من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ”
وتوعد من كفر به سبحانه وتعالى وعصى أمره بالعقاب في الدنيا والآخرة، كما أرشد عباده إلى خوفه ورجائه وأثنى على الذين يرجونه ويرغبون إليه، ويرهبون منه، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء “إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين” وقال الله سبحانه وتعالى كما جاء في سورة الإسراء ” أولئك الذي يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا” وعباد الرحمن الصادقون يعبدونه حبا وإجلالا وخوفا ورجاء، وهذا هو موجب الإيمان بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فإنه سبحانه بر رحيم وغفار للذنوب، وهو مع ذلك شديد العقاب وسريع العقاب فقال سبحانه “نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم”
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف” وإن المؤمن القوي يعني في إيمانه، وليس المراد القوي في بدنه لأن قوة البدن قد تكون ضررا على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله تعالي، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله تعالي صارت مذمومة، لكن القوة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوي” تعني قوة الإيمان، لأن كلمة القوي تعود إلى الوصف السابق وهو الإيمان، كما تقول الرجل القوي، أي في رجولته، كذلك المؤمن القوي يعني في إيمانه لأن المؤمن القوي في إيمانه تحمله قوة إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه.
وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفا لا يحمله على فعل الواجبات، وترك المحرمات فيقصّر كثيرا، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “خير” يعني خير من المؤمن الضعيف، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ثم قال صلى الله عليه وسلم “وفي كل خير” يعني المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير، وإنما قال “وفي كل خير” لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك، وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الإحتراز، وهو أن يتكلم الإنسان كلاما يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين، فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم ” وفي كل خير ” أي المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، لكن القوي خير وأحب إلى الله تعالي.