فن العزلة .. بقلم الكاتبة/ الزهرة العناق

العزلة هو فن السمو بالذات، والبحث عن الحقيقة في أعمق نقطة من الوجود.العزلة فن لا يتقنه إلا من أدرك أن الهدوء هو السبيل الأمثل لفهم الذات والكون .العزلة ليست فقط ضرورة، بل فنا يحتاج إلى التأمل والتطوير في عالم يضج بالصخب و الإلهاء.
فن العزلة ليس هروبا من الحياة أو رفضا للعالم، بل هو بحث عميق عن معنى الوجود بعيدا عن ضجيج الأفكار المتداخلة وضغوط الحياة المتسارعة. إنها رحلة داخلية إلى أعماق الروح، حيث يكون المرء في مواجهة حقيقية مع نفسه، مع أفكاره و مخاوفه، ومع آماله و طموحاته.
قد يظن البعض أن العزلة تفقد الإنسان صلته بالآخرين، لكنها في الحقيقة تقربه منهم بصورة أعمق.عندما نختار العزلة بمحض إرادتنا، نجد الوقت الكافي للتأمل في علاقاتنا، في أفكارنا، وفي قراراتنا ونبدأ في فهم حقيقة المشاعر التي تربطنا بالآخرين، ندرك أين تكمن قيمتنا كأفراد مستقلين، وأين تبدأ مساهمتنا كأعضاء في المجتمع.
من خلال العزلة، يمكن للإنسان أن يعيد ترتيب أولوياته، أن يتعلم فن الاستماع إلى صوته الداخلي بعيدا عن تأثيرات الآراء و الأصوات الخارجية. في هذا الصمت الداخلي، يمكن أن تتولد الأفكار النقية، و تصقل المهارات، و تستعاد الطاقة النفسية والروحية. إنها فترة للتجديد و التعافي، وإعادة الاتصال بالذات الحقيقية.
إلا أن العزلة كفن له شروطه، فهي ليست انسحابا مطلقا أو انقطاعا نهائيا عن العالم. على العكس، هي حالة مؤقتة، تتيح للفرد التزود بالطاقة والمعرفة، ليعود بعدها أكثر وعيا وأكثر قدرة و نضجا في التعامل مع الحياة و متطلباتها.
أخيرا وليس آخرا، يمكن القول أن فن العزلة هو أحد أسرار الحياة الهادئة و المثمرة. إنه المفتاح السحري الذي يمكن من خلاله فتح أبواب الذات، والوصول إلى مرحلة من الصفاء و الوعي لمواجهة العالم بكل صخبه و تعقيداته بروح هادئة وعقل متزن