ثقافة التمزيق .. بقلم الكاتبة: الزهرة العناق

في زمن ليس ببعيد، كانت الأخلاق و البساطة هي معيار الجمال والقيم. عندما كنا نرى شخصا يرتدي ملابس ممزقة، كانت نظرتنا له تنبع من التعاطف والرغبة في المساعدة. كنا نعتبره مسكينا يستحق العون، وكانت قلوبنا تخفق لشعوره بالحاجة. كان المجتمع يلتف حوله بروح من المحبة والتضامن، فيرفعون من شأنه و يرممون كرامته.
لكن اليوم، انقلبت الموازين. أصبح التمزيق في الملابس صيحة يتباهى بها البعض، ودخلت الأزياء الممزقة إلى عقول الشباب وكأنها رمز للتحرر و التميز. و بدلا من أن يكون الآباء سندا و قواما في غرس القيم، نجدهم اليوم يدعمون هذه الصيحات دون وعي بما تعنيه، ودون إدراك لما تحمله من رموز قد تزرع في نفوس أبنائهم نظرة مشوهة عن الذات وعن المجتمع.
والأخطر من هذا كله، أن الملابس لم تعد تحمل فقط ثقافة التمزيق، بل أصبحت لوحات لكلمات وشعارات غريبة لا يفهم الآباء مغزاها، ولا يدركون تأثيرها العميق على عقول أبنائهم. كلمات قد تبدو للبعض مجرد موضة، لكن في الواقع قد تكون سلاحا خفيا يغير في مفاهيم جيل بأكمله.
هنا السؤال لذاك الراعي :
أين هي تلك الحماية التي من المفترض أن يقدمها لأبنائه؟ كيف يمكن للأب أو الأم أن يسمحوا لأبنائهم بارتداء ما قد يضرهم؟ وكيف يمكنهم الدفاع عن أنفسهم يوم الحساب، عندما يقف الأبناء أمامهم و يسألونهم بمرارة: “لماذا تركتمونا نختار دون أن ترشدونا؟”
المسؤولية اليوم تتعدى حدود التربية التقليدية. يجب على الآباء أن يكونوا أكثر وعيا لما يتعرض له أبناؤهم من تأثيرات خارجية، وأن يفتحوا أبواب الحوار معهم، ليشرحوا لهم الفرق بين المظهر و الجوهر، بين الموضة والقيم. التربية ليست مجرد أكل و شراب و كساء، بل هي بناء عقل وروح.
يوم الحساب، لن تكون هناك أعذار أو تبريرات. سيقف كل أب وأم أمام الحقيقة، و حينها لا يمكن التملص من سؤال نكير و منكير.
فهل فعلتم ما يكفي لحماية أبنائكم؟ هل كنتم ذاك الراعي الذي يعرف حدود مسؤولياته ويقوم بها على أكمل وجه؟
إذا كانت الإجابة بنعم، فإن الثواب سيكون عظيما. وإذا كانت الإجابة بالنفي، فإن الندم سيكون أشد و أقسى. الأبناء يا أنت يا أنا أمانة، علينا أن نحميهم و نرشدهم لما فيه الخير و نغدي أرواحهم و عقولهم بالقيم و الأخلاق السامية.