شاب عابد تقي نقي ورع .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله استوى على عرشه فوق سبع سموات طباق وجعل الأرض مهدا وأجرى فوقها ماء يراق، أحمده سبحانه وأشكره حث على الألفة والوئام والوفاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد عباده المؤمنين المتقين جنات بها ثمر حلو المذاق، وتوعد من أعرض عن دينه بعذاب في النار لا يطاق، وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله بغض للأمة أمر الطلاق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد ها هو شاب فيا له من شاب عابد تقي نقي ورع، تظهر عليه أمارات الصلاح، فها أنت كلما دخلت المسجد وجدته في الصف الأول، وها هو سباق إلى كل طاعة يؤذن لصلاة الفجر ولغيرها من الصلوات في صوت ندي جميل حتى أحب المصلون صوته وارتبط عندهم صوته بالصلاة وبطاعة الله.
ويبدأ في تحضير دروس علم بسيطة ويشرع في إلقائها على الناس ولقد إستحسنها كثير منهم، وها هو يصاحب الصالحين ويماشيهم حتى أنار وجهه بنور الهدى والفلاح وهو شاب إذا رأيته تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عد السبعة الذين يظلهم الله في ظله “وشاب نشأ في عبادة الله” متفق عليه، لكن ماذا دهاه؟ ماذا حصل له؟ أي بلاء حل به؟ لقد بات يتأخر عن الأذان للصلوات، لقد صار يصلي في الصف الأخير، لقد أصبح يصلي مسبوقا لقد علمنا أنه يصلي في بيته لقد ترك الصلاة وإنقطع عن دروس العلم، ولقد زهد في صحبة الصالحين حتى تخلف عن صفهم بل يا ويله، لقد رآه بعض من كان يصلي خلفه وهو يدخن سيجارة في الطريق العام ومن تلك الفتاة المتبرجة التي يماشيها ويضاحكها ويجاريها؟
أهي أخته أهي بنت أخيه، لقد أكد عارفوه أنها ليست بمحرم منه، ولقد حزن عليه رواد المسجد والصالحون حزنا شديدا، ولقد باءت كل محاولاتهم لإصلاحه ودعوته بالفشل، ولقد غاب وطالت غيبته لكنهم استبشروا حين رأوه قادما نحوهم في يوم من الأيام حتى أقبل عليهم وسلم وجلس بينهم، فقاموا إليه واعتنقوه، وهم يقولون “أهلا بعودتك ومرحبا، كنا نعرف أنك راجع لا محالة، لقد إفتقدنا صوتك في الأذان والصلاة، أسوف تجلس معنا حتى يحين موعد الصلاة فتؤذن لها كما كنت تؤذن؟” فتكلم الفتى، وخاب أملهم عندما تكلم فلقد جاء يعرض عليهم شبهات تلقفها من هنا وهناك، لقد جاء ينتقد ما هم عليه من هدى ويشككهم فيه، لقد جاء يسأل أسئلة ما سألها قبله إلا كل مفتنون، لقد سُقط في أيديهم، ماذا جرى له؟
وكيف إنحرف عن طريقه الأول؟ ما الذي جره إلى ما هو عليه الآن؟ لماذا إستبدل القرآن بالغناء، والصلاة بالتسكع في الطرقات، ومصاحبة الصالحين بمخادنة الفاجرات؟ ويا ليتها كانت مصيبة هذا الشاب وحده، ليتها كانت حالة فردية، لكنها مصيبة كثير من الشباب اليوم يخطون خطوات في طريق الخير، حتى إذا بدا عليهم نوره وهداه وإستبشر بهم الصالحون وأملوا فيهم الخير، إذا هم ينكصون على أعقابهم، متخليين عما عرفوا من الهدى زاهدين فيه، إنها مصيبة تسمى الإنحراف وقد ترادفها كلمة الإنتكاس فإن المرء لا ينحرف إلا وقد كان قبل مستقيما.