الإخلاص العميق الذي يفتح القلب  .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله القائل في كتابه “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما” والصلاة والسلام على رسوله القائل ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” ثم أما بعد، إن الصديق ملمس ناعم وعبارة دافئة وعلاقة طيبة ومؤانسة في وحشات الدنيا، وربما تطور الأمر أيضا إلى إعانة ونجدة، فكان هذا الصديق كما يقولون نعم الرفيق في وقت الضيق، فالصداقة عطف متبادل بين شخصين يريد كل منهما الخير للآخر، مع العلم بتلك المشاعر المتبادلة فيما بينهما، والصديق هو من يعش معك فكريا ووجدانيا، ويتحد وإياك في الأذواق، وتسره مسراتك وتحزنه أحزانك، وبذلك تقوم الصداقة على المعاشرة والتشابه والمشاركة الوجدانية. 

والصداقة هي علاقة تتم في إطار كل ما يمكن أن نصفه بالمتبادل، أي إطار من المعرفة المتبادلة، الإحترام المتبادل، والعاطفة المتبادلة، والقبول المتبادل، والولاء المتبادل، ومفهوم التبادل هنا يكون من أجل صالح الطرف الأخر ومنفعته قبل منفعة النفس والحرص على الذات، ويسير مفهوم الصداقة في إطار هذا السلوك المتبادل من إسداء النصائح، مشاركة الصعاب وأوقات المحنة، فالصديق هو من يُظهر رد الفعل الإيجابي الفوري، والصداقة أيضا هي تبادل الثقة وتجنب فعل ما يؤذى الغير، ويروى أن رجلا من الصالحين ذهب إليه صديقه ليقترض منه مبلغا من المال، فدخل الرجل مسرعا وأحضر المال، وأعطاه صديقه ثم دخل الرجل منزله وأخذ يبكي، فقالت له زوجته لماذا تبكي؟ 

قال لأنني لم أسأل عن حال صديقي حتى اضطررته أن يسألني، ومن معاني الصداقة ما حكاه القاضي عياض في كتاب المدارك، وهو أن الإمام سحنون وصاحبيه عون بن يوسف وابن رشيد، دخلوا على أسد بن الفرات، فسألهم عن مسألة، فإبتدر لجوابه صاحبا سحنون وسكت سحنون، فلما خرجوا قال له صاحباه لما لم تتكلم؟ فقال سحنون ظهر لي أن جوابكما خطأ وبيّن لهما ذلك، فقالا لما لم تتكلم بهذا ونحن عنده؟ قال سحنون خشيت أن ندخل عليه ونحن أصدقاء ونخرج ونحن أعداء، وقضية الصحبة قضية دين وليست دنيا فقط، وتأمل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ” رواه أبو داود، أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته.

فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه، وقد قيل الصاحب رقعة في الثوب، فلينظر الإنسان ما يرقع به ثوبه، فاتخذ أصدقاؤك من الذين يرقون بك شطر القمم، واترك الذين ينزلون بك إلى السفح، وانتق أصدقاءك من أولئك المنشدين المتفائلين المحافظين على فرح القلب، وأرسي قواعد صداقتك على من يعادلونك حالة وذوقا وهدفا وثقافة، وإذا شئت أن تكون صداقتك صحيحة ثابتة فتعود أن تعطي أكثر مما تأخذ، فهذه شريعة الحب الأساسية، فالصداقة هي محبة تبذل ذاتها، ولا تحاول أن تجد صديقا خاليا من العيوب فهذا شيء محال ولكن مده بالمساعدة ليتخلص من سلبياته، فالصداقة لا تنشأ ولا تترعرع إلا بالصراحة الكبرى والإخلاص العميق الذي يفتح القلب حتى أعماقه، واخدم صديقك ولا تستخدمه وأحبب صديقك وليس ما يملك وأن تحب صديقا فهذا يعني أن تضع رجاءك فيه، وتكون له وفيا، وتفتح له رصيدا في قلبك، وتكبر شمائله وتقاوم شوائبه وتحبه وتساعده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى