الدكـــروري يكتب/ تحذير الإسلام من كل ما يتسبب في أذية الإنسان

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وسبحانه أكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه والتابعين له بإحسان له إلى يوم الدين ثم أما بعد إن ظاهرة التنمر ليست ظاهرة جديدة، بل تصدى لها الإسلام في القرآن والسنة، ونظر إليها نظرة حازمة نظرا لما لها من تأثيرات سلبية على الفرد ونفسيته، وما يمكن أن تنعكس على المجتمع ككل، وللأسف فإن هذه الظاهرة تنتشر إنتشار النار في الهشيم خصوصا على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث لا رقابة ولا حدود أخلاقية، ولاشك أن هذه الظاهرة ليست محصورة في مكان دون الآخر أو فئات معينة دون أخرى، بل إنها تنطلق من الأسرة كعينة أساسية والمدرسة ثم إلى أماكن العمل وغيرها.
ومن المهم التذكير بأن الإسلام حذر من كل ما يتسبب في أذية الإنسان حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” وهذا كلام واضح جلي لا يحتاج إلى شرح وتفصيل، وطالما أن التنمر سلوك عدواني يهدف إلى الإضرار بالآخر سواء جسديا أو نفسيا، فهو يتعارض مع مبادئ الإسلام السمحه وقيمه التي تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان وعدم الحط منها، ولقد حذر الإسلام من الإساءة إلى الآخرين وتجريحهم بالقول أو الفعل أو السخرية منهم بأي طريقة كانت، وهو ما يصطلح عليه حاليا بالتنمر وإن القرآن أكد في مختلف الآيات على حرمة ذلك مستخدما عبارات دقيقة جدا تصب في مفهوم التنمر، فحذر من ذلك في سورة الهمزة متوعدا من يقوم بهذه السلوكيات العدائية
بالقول الكريم “ويل لكل همزة لمزة” في إشارة إلى من يقوم بالطعن في الناس ويعيبهم ويتحدث فيهم بما يكرهون لما في ذلك من أذى لهم، كما أن السخرية هي الأخرى تدخل ضمن التنمر لذلك فإن الله تعالى قال في محكم تنزيله ” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن” بل إن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك عندما نهى عن التنابز بالألقاب، بل لا مزاح فيه، لما في ذلك من شحن للأنفس بالضغائن، بل اعتبره كمن كفر بعد إيمانه ليؤكد على خطورة هذا السلوك “ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان” وإن تنبيه الإسلام من القيام ببعض السلوكيات الخاطئة والنهي عنها يصب في مصلحة الفرد والمجتمع.
ولاشك أن الدراسات النفسية والإجتماعية الراهنة أكدت أن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر من بينهم الأطفال يصابون بأمراض عقلية ونفسية وجسدية وإجتماعية، كما يشعرون بحالة من الإكتئاب الحاد والقلق، بالوحدة والحزن، الذي يودي بهم إلى الانتحار، أما بخصوص آثار التنمر على المجتمع فهي خطيرة، لكونها ظاهرة تزرع حالة من الخوف، نتيجة إنتشار السلوكات العدوانية والعنف، كما أننا لاحظنا أن الأسر تشتكي من عجزها وعدم قدرتها على حماية أبنائهم الذين يعانون من حالة الوحدة والإنعزال، نتيجة تعرضهم للتنمر، إضافة إلى تراجع مستواهم الدراسي وانعدام الثقة، إضافة إلى التنمر الإلكتروني الذي يطال الجميع دون إستثناء ويؤدي إلى شعور الفرد بعدم أهميته وغياب تقديره لذاته بسبب الهجومات العدائية المتكررة عليه،
أما تعرض العامل للتنمر في مكان العمل فإن ذلك له تداعيات مقلقة لأنها لا تنعكس على العامل فحسب بل على أداء المؤسسة في حد ذاتها، وتشير مختلف الإستطلاعات إلى أن المؤسسات التي ينتشر فيها التنمر تواجه إنخفاض الإنتاجية ومشاكل كثيرة.