الدكـــروري يكتب: وإن تخالطوهم فإخوانكم

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى ” ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ” إن الله عز وجل وصي في كتابة العزيز علي اليتيم، ونحن في هذه الكلمة عن اليتيم لا نقصد من فقد أباه فقط ولا نقتصر على المعنى الشائع لدى عامة الناس وحسب، ولكن نتعداه إلى كل لقيط وكل من فقد العلم بنسبه. 

لأن اليتم لديهما آكد والمصيبة عليهما أشد، وهذا ما يؤكده العرف الإجتماعي واللغوي ويدعمه النظر الفقهي الذي يرى إن إلحاق اللقيط ومجهول النسب باليتيم من باب الأولى لأن الحرمان عند كليهما ظاهر لا يخفى، كما في الفتوى التي أكدت أن مجهولي النسب هم في حكم اليتيم لفقدهم والديهم، ويؤيد هذا المذهب من الفتوى، قول الله تعالى في الآية الكريمة في سورة الأحزاب ” فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ” ووجه دلالتها على أن اللقطاء مجهولي النسب هم أحوج من غيرهم إلى الرعاية، ونكتشف ذلك في ثلاثة مواضع، فالأول هو عند حديث القرآن عن اليتامى حيث قال تعالى في سورة البقرة “وإن تخالطوهم فإخوانكم ” لأن الأخوة الإيمانية مما تصلح به المخالطة.

بل هي غاية ما تتطلبه المعاملة وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري ” لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخية ما يجب لنفسة” وعندما تحدث عن مجهولي النسب قال الله تعالى “فإخوانكم في الدين ومواليكم” وذلك تأكيدا لحقهم الشرعي وتذكيرا بأن الإعتناء بهم هو من صميم الدين وليس فقط واجبا أو إلتزاما إجتماعيا، وأما عن الموضع الثاني فقد إشتملت الآية على معنى خفي يقربك لو أدركته مما ينبغي أن تكون عليه العلاقة الصادقة بين المجتمع من جهة وهؤلاء الأيتام القاعدين في سفح الهرم الإجتماعي من جهة أخرى، وهذا المعنى الخفي هو أن الأخوة والولاية الدينيتين تسدان مسد الأبوة إذا فقدت، وهو عين ما دفع بالإمام الألوسي رحمه الله تعالى إلى القول في تفسير الآية “فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين” 

ويقول فيه إشارة إلى أن للدين نوعا من الأبوة، كما في تفسيره روح المعاني، ولقد أبدل القرآن الكريم مجهولي النسب عوضا عن هذا الحرمان، نسبا عقيديا جديدا ورحما دينية هي وحدها القادرة على جبر هذا الكسر المضاعف في نفوسهم ولهذا اعتبر مكذبا بالدين من يدعّ اليتيم، وأما عن الموضع الثالث وهو في قوله عز وجل “فإن لم تعلموا آباءهم” أبلغ في المعنى من القول مثلا فإن فقدوا آباءهم لأن الفقد عدم وحينئذ يكون الخطاب منصرفا إلى اليتامى بوفاة الآباء فقط لأن فقد الآباء متحقق عندهم بالموت، أما عدم العلم بالشيء فلا ينفي وجوده، فالأب قد يكون موجودا ولكنه غير معروف ولهذا قال تعالى “فإن لم تعلموا” وهذا آلم في النفس لدى مجهول الأبوين 

الذي لا يعلم عنهما شيئا، مما يحتاج معه إلى مزيد عناية واهتمام، وفي نفس السياق، تأتي إن الشرطية التي تفيد إحتمال الوقوع لتفتح الباب واسعا أمام الإحتمالات الواردة التي قد تقف وراء عدم العلم بهؤلاء الآباء كالإحتمالات التي أشير إلى بعضها في محور من هم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى