مصدر العزة وواهبها .. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، قيل لأعرابي كيف تصنع بالبادية إذا إنتصف النهار وإنتقل كل شيء ظله فقال وهل العيش إلا ذاك يمشى أحدنا ميلا فيرفض عرقا كأنه الجمان، ثم ينصب عصاه ويلقى عليها كساءه، وتميل عليه الريح من كل جانب فكأنه في إيوان كسرى، فإن رغيف خبز يابس تأكله في زاوية، وكوز ماء بارد تشربه من صافية، وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية، أو مسجد بمعزل عن الورى في ناحية تقرأ فيه مصحفا، مستندا بسارية، معتبرا بمن مضى من القرون الخالية، خير من الساعات في القصور العالية، تعقبها عقوبة تصلى بنار حامية.
وكما أن الولاية لله تعالي لها أثرها في حياة الفرد والمجتمع فالولاية منبعها الإيمان بالله تعالى وتأملوا إلى أثار تلك الولاية وهي الإخراج من الظلمات إلى النور، وإجتماع القلب والثبات على الصراط المستقيم، ومحبة الله تعالى لأوليائه، وعدم الخوف والحزن، والرزق الطيب في زمان يشتكي كثير من الناس الغلاء وإرتفاع الأسعار وقلة البركة ولو تأملنا ما نحن فيه لوجدنا أن ذلك بسبب ذنوبنا وأننا ابتعدنا عن شجرة الإيمان، ولكن الناس لو آمنوا بالله حق الإيمان يسر لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها، وقيل المراد بخير السماء أي المطر، وخير الأرض هو النبات، والإيمان بالله هو الإعتقاد الجازم والإيمان اليقيني بأن الله تعالى هو العزيز الذي لا يغلبه شيء، وأنه هو مصدر العزة وواهبها، فلا نصر إلا به.
ولا استئناس إلا معه، ولا نجاح إلا بتوفيقه، وقال الإمام ابن القيم رحمة الله العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علم وعمل وحال، فقال تعالى ” وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان، فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان، علما وعملا، ظاهرا وباطنا، وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه قال “خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك.
فقال عمر أوه، لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله” وإن للإيمان أركان وأولها هو الإيمان بالله ويتضمن ذلك الإيمان بوجود الله والإيمان بربوبيته والإيمان بألوهيته والإيمان بأسمائه وصفاته، وإيمان المسلم بأسماء الله وصفاته يجب أن يكون على منهج أهل السنة والجماعة، وذلك بالإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكيف، ولا تمثيل، ومن آمن بذلك فقد أراد الله عز وجل به خيرا، وأكرمه، فقال العلامة ابن القيم رحمه الله في قصديته النونية، المسماة بالكافية الشافية في الإنتصار للفرقة الناجية.
الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته، ويجمع قلبه على محبته، شرح صدره لقبول صفاته العلى، وتلقيها من مشكاة الوحي، فإذا ورد عليه شيء منها، قابله بالقبول، وتلقاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالإنقياد، فإستنار قلبه، وإتسع له صدره، وإمتلا به سرورا ومحبة.