الدكـــروري يكتب: النصر والتمكين من الله تعالى

الحمد لله جعل الحمد مفتاحا لذكره، وجعل الشكر سببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، قضاؤه وحكمه عدل وحكمة، ورضاه أمان ورحمة، يقضي بعلمه، ويعفو بحلمه، خيره علينا نازل، وتقصيرنا إليه صاعد، لا نقدر أن نأخذ إلا ما أعطانا، ولا أن نتقي إلا ما وقانا، نحمده على إعطائه ومنعه وبسطه وقدره، البرّ الرحيم لا يضيره الإعطاء والجود، ليس بما سُئل بأجود منه بما لم يُسأل، مُسدي النعم وكاشف النقم، أصبحنا عبيدا مملوكين له، له الحجة علينا ولا حُجّة لنا عليه، نستغفره ونتوب إليه مما أحاط به علمه وأحصاه في كتابه، علم غير قاصر وكتاب غير مغادر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد البشر أجمعين ورسول رب العالمين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد طاف رسول الله المصطفي صلى الله عليه وسلم بمجتمعات القبائل وقصد الرؤساء وتوجه بالدعوة إلى الوجهاء وسار إلى الطائف، فعل ذلك كله عشر سنوات وهو يرجو أن يجد عند أصحاب الجاه والمنعة نصرة وتأييدا، وكان يقول صلى الله عليه وسلم في كل موسم “من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي” ومع كل هذا لم يجد من يؤويه ولا من ينصره، بل لقد كان الرجل من أهل اليمن أو من مضر يخرج إلى مكة فيأتيه قومه فيقولون له إحذر غلام قريش لا يفتنك، وقد سدت كل الأبواب في وجهه فمن أين يأتي النصر؟ ولقد جاء النصر بإذن الله من ستة نفر من الأوس والخزرج التقى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا به ورحبوا به في مدينتهم وكان هذا اللقاء بداية لإنطلاق الدعوة.
وبناء الدول المسلمة وإنها لسنة الله تعالي في عباده فقال تعالى ” ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين وإنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون” وأن النصر الذي ساقه الله تعالي للمسلمين في حطين كان فضلا وعطية من الله تعالى، ليس لعمل الناس فيها إلا الدخل المحدود بإذنه، بالتجهيز والإستعداد، والأخذ بالأسباب، والأسباب لا تبلغ نتائجها إلا بقدر الله عز وجل وفي حمايته ورعايته، إن النصر هو الوعد الإلهي الحق، حيث قال الله تعالى ” وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونن لا يشركون بي شيئا” وهذا وعد الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس و الولاة عليهم بهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد.
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وحكما فيهم وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وهذا الوعد قد تحقق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيتحقق بعده حتى قيام الساعة، وهذا الوعد لابد له من إيمان بالله تعالى حتى يتم لنا هذا الإستخلاف أما أن نكون على حال من قلة الإيمان بالله تعالى ونرجو مع ذلك هذا التمكين فما هذه إلا أمانيّ وأحلام يقظان، متى توافرت الأوصاف التي ذكرها الله تعالى في هذا الآية في قوم كانوا أحق بالتمكين من غيرهم مهما كانوا، فحتى نظفر بالتمكين من الله تعالى لنعقد العزم على تطبيق شريعته في أحوال الناس اليومية والسياسية والاجتماعية.
عندها سننال النصر من الله تعالى ونظفر به منه تعالى بكل تأكيد ويقين، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولكن حين يعقد المسلمون النوايا، ويصحّون العزم على أنهم إن مكنهم الله تعالى أتوا بأحكام تخالف دينه وشريعته فهيهات أن ينالهم من الله تعالى النصر المبين والتمكين والتاريخ مليء بمثل هذه الأحوال.